القضاء الإداري ينتصر للعمال
اعتبرت الجهات صاحبة الحق بتعيين- العمال لديها الذين كانوا محاصرين في المناطق الساخنة، والذين لم يستطيعوا الالتحاق بوظائفهم- بحكم المستقيل نتيجة لتغيبهم عن عملهم بناء على قرارات رئيس مجلس الوزراء، وبعد عودة أغلب المناطق إلى سيطرة الدولة تقدم العديد من هؤلاء العاملين بطلبات إعادة إلى عملهم، وتمت الموافقة على إعادتهم إلى العمل بعد توافر عددٍ من الشروط التي نصت عليها قرارات وبلاغات صدرت عن رئاسة مجلس الوزراء، ولكن مع اعتبار فترة تغيب العامل عن عمله إجازة خاصة بلا أجر، وبذلك ألحق قرار رئاسة مجلس الوزراء ظلماً كبيراً للعمال.
مع موافقة الجهات الحكومية على عودة معظم العمال إلى عملهم إلا أنها لم تحسب لهم فترة تغيبهم عن العمل، والتي وصلت إلى سنوات عديدة من فترة خدماتهم الفعلية ولا تحسب هذه السنوات من القدم المؤهل للترفيع وللتقاعد، رغم أنّ قرارات الإعادة إلى العمل نصت على أن يعاد العامل (إلى عمله السابق نفسه ولا يعتبر تعينناً جديداً نظراً لزوال الأسباب) وبالتالي، يعتبر هذا تراجعاً وفسخاً عن القرار السابق باعتبار (العامل بحكم المستقيل).
هناك العديد من القرارات والبلاغات التي صدرت عن رئاسة مجلس الوزراء خلال الأزمة والتي كانت تعسفية بحق العمال، وكأن تغيب العمال عن أعمالهم كان عائداً لإرادتهم الحرة، وأصدرت غالبية المؤسسات قرارات باعتبار العامل المحاصر في المناطق الساخنة بحكم المستقيل، ومن استطاع الخروج والالتحاق بعمله خلال مدة ستة أشهر اعتبرت فترة تغيبه إجازة خاصة بلا أجر.
وقانون العاملين الأساسي في الدولة نص في المادة /61/ منه على اعتبار مدة الغياب إجازة خاصة بلا أجر في حال كانت مدة التغيب ناجمة عن ظروف غير مبررة تقبلها الجهة العامة، ففي هذه الحالة فقط يمكن اعتبارهم بإجازة خاصة بلا أجر، وحالة الحرب والحصار التي عانى منها العمال من المفترض أن تكون أسباباً مبررة لدى الحكومة.
للقضاء رأيٌ آخر
القضاء اعتبر تراجع الجهة صاحبة الحق بالتعيين عن قرارها باعتبار العامل بحكم المستقيل فسخاً للقرار، وإعادة العامل إلى عمله السابق لا يعتبر تعييناً جديداً، وأقر بحقه الكامل في تعويضاته كاملة باعتباره كان محاصراً ومخطوفاً من قبل المجموعات المسلحة.
وبالتالي، لإعطاء العامل حقه لا بدَّ من التوجه إلى القضاء الإداري وإلزام الجهة صاحبة الحق بالتعيين بقرار قضائي لمطالبتها بجميع تعويضاته المستحقة بعد فسخ قرارها (باعتبار العامل بحكم المستقيل) وإعادته إلى عمله، وهنا يشهد للقضاء الإداري وقوفه إلى جانب العمال، والذي أصدر العديد من القرارات التي أعادت إلى العامل حقوقه، واحتسب لهم فترة انقطاعهم عن عملهم من خدماتهم الفعلية المؤهلة للترفيع للتقاعد، واحتسب لهم جميع تعويضاتهم التي يجب أن يتقاضوها، كما لو كانوا على رأس عملهم نظراً لتراجع المؤسسات عن قراراها باعتبار العامل بحكم المستقيل وفسخ هذا القرار واعتباره كأنه لم يكن.
وذلك بعكس ما ذهبت إليه الحكومة والتي اعتبرت فترة تغيب العمال عن عملهم إجازة خاصة بلا أجر، وهذا ما ألحق ظلماً بالعمال الذين كانوا محاصرين من قبل المجموعات المسلحة وهم بحكم المخطوفين، وأضاعت حقهم في هذه السنين وفي اعتبارها من سنوات الخدمة المؤهلة للترفيع والتقاعد.
عمال القطاع الخاص والمحكمة العمالية؟
على المقلب الآخر عمال القطاع الخاص الذين يخضعون لقانون العمل رقم /17/ لعام 2010 تم تسريحهم من أعمالهم بناء على قرارات تعسفية من المحكمة العمالية، والتي تبنت في قراراتها طلبات أرباب العمل كاملة، دون إجراء أي تحقيق أو سماع أي دفاع من العمال أو تبليغهم، وحتى لو ذهبت المحكمة العمالية لغير ذلك، فإن بمقدور رب العمل تسريح العامل من عمله وفق المادة /65/ من قانون العمل ورفض قرار المحكمة العمالية بإعادة العامل إلى عمله.
ألا يعتبر إعطاء أرباب العمل الحق برفض تطبيق القرارات القضائية وتغليب مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة وسلطة القضاء، إهداراً لحق العامل واستهتاراً بالمحكمة العمالية وقراراتها ومنعاً للعامل من استخدام حق التقاضي الذي يعتبر من أهم الحقوق الدستورية في العالم، والذي نص عليه الدستور السوري أيضاً في المادة الحادية والخمسين منه؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 908