الطبقة العاملة والمال المقدس
تشتد الظروف المعيشية قسوة، وتتآكل القوة الشرائية للطبقة العاملة يوما بعد يوم، وتتراجع الخدمات العامة، وتنساب الحقوق من بين أصابع الفقراء كالرمال الذكية، وتُصر الحكومة على المضي بسياساتها الاقتصادية المنحازة لعصبة الوجهاء والأثرياء والفاسدين، ويتغلغل في نفوس العمال، فينعكس على مؤتمراتهم ليأتي الواقع ويفرض نفسه على التنظيم النقابي، فإمساك العصا من منتصفها لم يعد يجدي نفعاً.
أتمت النقابات مؤتمراتها السنوية في جميع المحافظات السورية، وبذلك تكون قد أوكلت لاتحادات المحافظات والاتحادات المهنية مهمة استكمال صياغة المواقف من القضايا المعلقة والملفات المستعصية عن الحلول، والمطالب المحقة المطالب عند الحكومة التي ما زالت مصرة على تسويفها وتبريرها وخلق الذرائع العجيبة بخطابها، ممنّية نفسها بتشييع تلك الحقوق المهدورة والمسلوبة دفعة واحدة وإلى غير رجعة باستخدام كافة الأساليب المؤدية لموتها بالتقادم، وبتكريس اليأس والإحباط، وإغلاق الأفق بوجه الطبقة العاملة وحركتها النقابية، من هنا تكتسب مؤتمرات المحافظات والاتحادات المهنية المفترض انطلاقها في الأيام القادمة أهمية كبرى كونها ملزمة باستدراك ما غفلت عنه المؤتمرات النقابية من ملفات هامة وأساسية، وترتيب الأولويات في المواقف والبرامج، والتحرك اللاحق. فما هي تلك الأولويات، وما أهمية التمسك بها وفي هذه المرحلة بالذات؟
الموارد ليست في جيوبنا
من الطبيعي أن تكون موضوعة الأجور على رأس أولويات العمل النقابي، فالتهرب الحكومي من هذا الاستحقاق مستمر وبطرق مختلفة، تغطيها الأرقام المبالغ بها عن حجم الدعم الحكومي واستمرار نقص الموارد الحكومية والحصار الاقتصادي ومفاعيل الأزمة، وإلى ما هنالك من ذرائع لم تعد تجد سوقاً لها، ولم تكتفِ الحكومة بذلك للتهرب من زيادة الأجور وحسب، بل جعلتها أدوات إضافية لسحب ليرات جديدة من جيوب العاملين بأجر عبر عشرات قنوات الجباية، وأخذت تضيف لسجلها المتخم بالسياسات الفاشلة ضغوطاً مالية عديدة على المزارعين والصناعيين والحرفين والطلاب، أي: أنها ذهبت لكل مورد ممكن للمال، باستثناء المال المكنوز عند الفاسدين والمحتكرين والمتهربين من الضرائب وأرباح المصارف الخاصة وشركات التحويل الخارجي، ومنبع الذهب عند شركتي الاتصالات الخليوية، وكأن هذا المال الهائل مُقدس ومُنزه ومنيع!
ضرورة تلازم الأولويات
إن رفع شعار حق الإضراب للطبقة العاملة يساوي أهمية قضية الأجور العادلة فكلاهما يَقْوَيان بتلازمهما، وهذا الحق الدستوري يضاف إلى سلسلة الحقوق الدستورية التي ابتلعتها الحكومة كالفقرة الثانية من المادة 40 من الدستور، التي تفيد بأن لكل عامل الحق في أجرٍ عادلٍ لا يقل عن الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشة وتغيرها، من هنا تأتي ضرورة رفع شعار حق الإضراب كي يكون بوابة دفع الحكومة للالتزام بمضمونه، ومنها حقوق الطبقة العاملة، لتأتي ضمن الأولويات إعادة الدعم الحكومي الحقيقي على الحاجات الضرورية للمعيشة من غذاء ومحروقات وطاقة ولا بأس ببطاقة ذكية شرط أن تملكها وتديرها مؤسسات الدولة، بدل هذه البطاقة عديمة الدعم القابعة في أيدي شركة تبحث عن أرباحها ولا شيء غيرها.
إن هذا الترابط بين المطالب يجعلنا نذكر بضرورة الدفع باتجاه الحفاظ على قطاع الدولة الإنتاجي وتطويره أولاً، والقطاع الإنتاجي الخاص. ثانياً، لما لذلك من أهمية للاقتصاد الوطني بدل تدليل الحكومة للمستثمرين في القطاع الخدمي والسياحي الذي يربح ولا ينتج.
خطوة للوراء خطوتان للأمام
إن وضع هذه الأولويات في قبضة التنظيم النقابي وجعلها مرتكزاً نضالياً مستمراً قولاً وفعلاً، يضمن التقدم المطلوب للأمام بعد حقبة من التراجع، ويكفل التفاف الطبقة العاملة حول تنظيمها النقابي، ويفتح الأفق أمام تقدم لاحق أكثر رقيّاً وأكبر فاعلية، ويتماشى مع الواقع الموضوعي الذي تنضج عوامل اتجاهاته نحو التغيير الجذري يوماً بعد يوم، واقع سيفرض نفسه على الجميع دون استثناء، وما تم تلمسه من خلال المؤتمرات النقابية يشير إلى أن الدورة القادمة التي ستقود العمل النقابي للأعوام الخمسة القادمة مطالب منها فهم مجمل المتغيرات وطبيعة المرحلة بتناقضاتها، على أن تكون بوصلة عملها حقوق الطبقة العاملة وعرقها ولقمة عيشها وسيادتها وكرامتها، فبعد كل خطوة للوراء لا بدَّ أن تتقدم خطوتين للأمام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 903