عمال على حافة البطالة!
إلياس زيتون إلياس زيتون

عمال على حافة البطالة!

يقفون على حافة البطالة ممسكين بأضعف حبال سوق العمل، كيفما اتجهت تراهم يملؤون أسواق المدينة ومراكزها الحيوية، أغلب المارة والمتسوقين يظنون بأنهم أصحاب أرزاق وأعمال، تبدو جوانب البساطة عليهم، في ملبسهم وطريقة كلامهم وتعاملهم مع بعضهم البعض ومع الزبائن، هم في حقيقة الأمر رهائن الواقع ليس إلّا.

حين قررنا تغطية هذه الشريحة العمالية لم نقصد مكاناً بحد ذاته، فهؤلاء العمال موجودون في كل مكان بالمدينة، بداية التقينا بأحد العمال اسمه مصطفى في منطقة الشعلان يقوم بغسيل السيارات، عدته بسيطة، بعض الخرق القماشية وسطل ماء ونشافة صغيرة، عاجلناه بالسؤال عن المردود المالي من عمله هذا، فأجابنا: أجرتي مقطوعة 1500 ليرة في اليوم، وغالباً أحصل على إكراميات بسيطة حسب الزبون فهذا العمل ليس خاصاً، لدي معلم أنا مجرد شغيل، نحن ثلاثة عمال ورب العمل هو من يوزع العمل بيننا ويقبض من الزبائن، بعض زبائننا يدفعون اشتراكاً شهرياً أو أسبوعياً والآخرون «زبون طيار» من زوار السوق، علمنا من مصطفى بأنه درس البكالوريا ولم ينجح، فتوجه للعمل وأن رغبته في تعلم مصلحة ذات قيمة عملية ومهنية لم تنجح، كون الأجور ضعيفة في تلك المصالح،
ووضع أسرته المادي لا يسمح بالصبر لحين تعلمه والاسترزاق منها بشكل مجدٍ، وبأن طبيعة هذا العمل تناسب رغبته في تقديم البكالوريا مرة أخرى، رغم صعوبة عمله وظروفه السيئة، وخاصة في فصل الشتاء كونه يبقى في العراء طوال النهار متعرضاً للماء البارد والبلل بشكل مستمر.
غياب البدائل
أما هشام الذي يعمل على آلة القهوة - إسبرسو- لا تختلف ظروف عمله عن مصطفى، وهو خريج معهد مصرفي ولم يجد عملاً بعد تخرجه وبدأ العمل في معمل خياطة، وكونه جديداً فقد أوكلت له المهام البسيطة وبما أن تعلم المصلحة يحتاج لسنوات عديدة وراتبه لم يتجاوز30 ألفاً أخذ يبحث عن عمل آخر، وعمل بعدها مع معلم صحية وكهرباء وكانت يوميته جيدة بحدود 2500 ليرة، لكنه على حد قوله: «يوم منشتغل وعشرة لأ» فاتجه للعمل عند صاحب العمل هذا بيومية 2000 ليرة وختم حديثه معنا بطريقة فكاهية، وقال: «هنا أقدم القهوة وهناك أقدم القهوة والشاي- بس هون المصاري أكتر-» أما أبو هيثم العامل الأربعيني على عربة بيع الفول عند سانا، فهو أيضاً يشتغل بأجرة وليس صاحب الرزق وحين سؤالنا له عن عدم عمله على عربته الخاصة أخفض صوته هامسا لنا: كل العربات والبسطات والأكشاك التي ترونها تحتاج لنفوذ لا أمتلكه نحن مجرد شغيلة، وأضاف: إذا تركت هذا العمل ماذا سأشتغل؟ ماذا أطعم الأولاد؟ هل أتوظف بالدولة آذناً أو ناطوراً بقروش لا تطعم خبزاً؟ بيننا وبين البطالة شعرة مجرد شعرة يا ابني.
للشقيعة حكاية أخرى
في سوق الصالحية التقينا بالعديد من الشبان والفتيان الذين يشتغلون »شقيعة» يدللون على البضائع والمحلات المختصة بالألبسة والأحذية، وأغلب تلك المحلات التي تلجأ لتشغيل هذه الفئة من العمال هي المتواجدة على أطراف السوق، أو في الأبنية الطابقية بما يسمى- النصية- كونها بعيدة عن الزبائن المارة بالسوق الرئيس لذلك تستخدم هذه الطرق الإبداعية في الوصول للزبائن المارة، ولكن على حساب هؤلاء الشبان الذين وبرغم امتلاكهم لمهارات فريدة من نوعها يتعرضون لاستغلال كبير وظروف عمل قاسية، تحدثنا مع سوار شاب في العشرين من عمره يعمل لصالح أحد محلات الألبسة والأحذية الرجالية طالب أدب عربي سنة أولى وضح لنا جوانب العمل وظروفه وتفاجأنا بعدم حصوله على أي أجر مقطوع مقابل عمله المضني، بل يعتمد على النسبة من كل عملية بيع عن طريقه لذلك يسعى لأن يبيع زبونه بأعلى سعر ممكن مستخدماً أسلوبه الخاص، ولكي يصل لهذه المرحلة عليه أولاً: أن يشد الزبون للمحل بكل الطرق الممكنة واعترف بأن الكثيرين يتضايقون من إلحاحه وطريقة إقناعه وبأنه يغطي ذلك بحس الفكاهة تارة وبالخداع تارة أخرى، ويضيف لست مقتنعاً بهذا العمل ولكن الرمد أفضل من العمى، وهل هناك عمل أفضل؟ تحصيلي الشهري وسطيا يقارب 80 ألف ليرة هل هناك وظيفة تعادل هذا المبلغ ؟ أم أنتظر مصروفي من والدي الموظف المثقل بالديون؟
خسائر بالجملة
إن هذه الإضاءة على هذه الشريحة يفتح النقاش مجدداً على المسائل الكبرى، بدءاً من السياسات الاقتصادية الحكومية وانعكاساتها على سوق العمل، مرورا بسياسة الأجور وتراجع القطاع الإنتاجي على حساب الخدمي وتمركز الثروة بيد القلة النافذة، وانعدام فرص العمل وغياب التدريب المهني والفني ..إلخ، ومن هنا فإن توسع الشرائح العمالية الواقفة على حافة البطالة والتهميش تنذر بما هو أسوأ وتوضح ارتفاع نسبة الفاقد من الفئات العمرية الشابة المفترض انخراطها في عملية البناء الاقتصادي بدلاً من تعليبهم ضمن أعمال لا تعود بالنفع إلّا على أصحابها، فتبتلع قوة عملهم وتوأد كفاءاتهم قبل أن توظف في المكان الصحيح، ولا بد للمنظمة النقابية أن ترصد هذه الظاهرة وتضع رأيها وتجد الحلول اللازمة لممارسة دورها المناط بها.