العاملون في دمشق القديمة
إلياس زيتون إلياس زيتون

العاملون في دمشق القديمة

نتابع جولتنا في المناطق الصناعية والحرفية الصغيرة، كي نسلط الضوء أكثر على هذه الشريحة العمالية، وهذه المرة توجهنا إلى ورشات ومعامل دمشق القديمة، كالشاغور والشماعين والدقاقين والحريقة والقيمرية.

تعتبر دمشق القديمة وما حولها الموطن الأصلي لمجمل الصناعات والحرف، سواء كانت ضمن السور أو على أطرافه الخارجية، ومعظم هذه الصناعات والحرف ما زالت إلى اليوم منتشرة على شكل معامل صغيرة أو ورشات، وتضم ألاف العمال ذوي المهارات والخبرات الفنية والمهنية، التي صدرت العمالة خلال العقود الماضية للمنشآت الكبرى، والتي أخذت تنتشر وتتوسع في الأرياف، فيما اتسعت شريحة عمال الخدمات والمحال التجارية بشكل مضاعف خلال الفترة نفسها، كون الأسواق التقليدية ما زالت محافظة على زخمها التجاري كسوق الحميدية والسوق الطويل (مدحت باشا) وسوق الصوف والحريقة والعديد من الأسواق الأخرى، ناهيك عن توسع المنشآت السياحية من مطاعم ومقاهٍ، وتبقى السمة الأساس لهذا التجمع العمالي الضخم هي: توزع العمال على مجموعات صغيرة في هذا المعمل أو ذاك المحل التجاري أو المقهى، بحيث لا يتجاوز عدد العمال في كل منها 25 عاملاً وعاملة كحد أقصى، وهذا العرض السابق ضروري كي نوضح بأن هذه الشريحة لها وضع خاص يحتاج لرؤية وأدوات خاصة من قبل التنظيم النقابي، إن أراد العمل للوصول لها وتمثيلها بالطريقة المفترضه، ولا بد أن نُذّكر بأن مبنى اتحاد دمشق قد لا يبعد عن هذه المنطقة لأكثر من 2كم فما الذي جعل هؤلاء العاملين القريبين جغرافياً بعيدين عملياً بهذا الشكل؟
تحت رحمة أرباب العمل
بداية تحدثنا مع العاملة سميرة من أحد معامل التريكو في منطقة الحريقة، وسألناها عن طبيعة عملها وقيمة الأجور ومدى معرفتها بحقوق العمال والنقابات، وأجابت: إنها باتت يائسة من تحسن ظروف عملها وقيمة أجرها الذي تدفعه لأجرة البيت، كي يتمكن زوجها من تأمين الأكل والشرب للعائلة، وبأنها علمت بنقابات العمال منذ سنين ماضية حين ذهبت حينها مع صديقتها لتحصل على شهادة مهنية كي تتقدم لمسابقة توظيف عمال خياطة في مؤسسة الشرق للألبسة، وهي تظن بأن دور النقابات مقتصر على ذلك، أما علاء وهو عامل سكب معادن، أخبرنا بأنه يعلم بدور وأهمية النقابات، وبأنه قصد النقابات في سنة 2014 للانتساب ولكنهم طلبوا منه ورقة موقعة ومختومة من ربّ العمل تثبت بأنه عامل على رأس عمله، حينها قال لهم وهل هنالك ربّ عمل يعطينا هكذا ورقة؟ سأعطيكم عنوان معملنا وتعالوا تأكدوا من أني على رأس عملي لأصبح نقابياً وأسجل باقي زملائي، ولكن علاء لم يلَبَّ طلبه، وأضاف، ألا يكفي بأننا محرومون من التأمينات الاجتماعية، خاصة بأننا نتعرض للكثير من الإصابات؟
لا أحد يسأل عنا
أما بشير أحد العمال البائعين في سوق مدحت باشا، فقد سألناه عن النقابات فأجابنا مازحاً بسخرية لطيفة: هل تعطينا النقابات بيوتاً تسترنا؟ نحن جيل يفتح إنترنت عنا فيس ويوتيوب ونعرف كل شيء، هل يمكنها مثلاً إيقاف ارتفاع الأسعار وتزيد أجرتنا؟ هل وزعت الغاز والمازوت في الشتاء؟ هل نزلت يوماً إلى الشارع من أجلنا؟ مثل تونس واليونان وجماعة حنّا غريب في لبنان؟ لدي أصدقاء موظفون في مؤسسة الكهرباء، وهم يشتكون من أوضاعهم المعيشية، ودائماً ما أسمع منهم عن ذلك، أسأل كل رفاقي في السوق هل رأينا أحداً من الذين تسألني عنهم يسأل عنا؟ هل وضعوا إعلانات طرقية كبيرة تعرف عنهم وعن عملهم ودورهم؟ لن تجدوا أحداً فأنتم أول السائلين، عادة لا يأتي إلّا التلفزيون بمذيعة مهضومة من أجل مسابقة رمضان.
إجراءات ضرورية
من ضمن اللقاءات الكثيرة التي أجريناها عرضنا نماذج محددة مساهمة منا بتأكيد المؤكد، فالنقابات تعلم بهذا وأكثر، ولطالما تحدث النقابيون فيها، وتكمن أهمية إعادة قراءة المشهد مرة أخرى في أهمية تفعيل العمل ضمن عمال القطاع الخاص المنظّم وغير المنظم، ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:
شريحة عمال القطاع الخاص غير المنظم وخصوصاً العاملين في التجمعات الصغيرة، والتوجه نحو تشميلهم بالمظلة النقابية ضعيف ومحدود، والاكتفاء بالتوجه لأرباب الأعمال في المنشآت الكبرى.
خلل بموضوع الشهادات المهنية حيث تكتفي النقابات بما تجنيه من اشتراكات كما يحصل في نقابة النقل البري والنسيج والبناء، دون العمل على استمرارية التواصل مع العمال.
أهمية المرونة في التعامل مع العمال في التجمعات الصغيرة والمطالبة بإثبات ورقي من ربّ العمل بدل التأكد بشكل ميداني ومباشر.
عدم تبني حق الإضراب المنصوص به دستورياً كأحد الأدوات الهامة في الدفاع عن حقوق العمال ومطالبهم، في مقدمتها زيادة الأجور بما يتناسب مع تكاليف وسطي المعيشة.
سنقوم باستكمال استطلاعنا لعمال القطاع الخاص بالأعداد القادمة وسيكون مقصدنا التجمعات الصناعية في الريف، والمنشآت الكبيرة فيها سواء كانت تحوي تنظيماً نقابياً أو لا، لنتعرف عن قرب عما نحاول توضيحه، فعمال القطاع الخاص هم الشريحة الأوسع التي على النقابات اليوم أن تناضل كي يصبحوا جزءاً فاعلاً فيها.