العاملون في مجمع الزبلطاني والنقابات
استكمالا لموادنا السابقة التي تناولت موضوعة عمال القطاع الخاص، كان لزاماً علينا العمل على إجراء جولة على بعض المناطق الصناعية في دمشق، والتي تضم مئات المنشآت الصناعية الخاصة، لنطّلع على واقع عمالها وعلاقتهم بالمنظمة العمالية من خلال حوار صريح وموضوعي.
عمال المجمع
خارج مظلة القانون
توجهنا بداية لمجمع الزبلطاني شرق العاصمة على تخوم الغوطة الشرقية، ولا يخفى على أحد ما شهدته هذه المنطقة خلال السنوات الماضية من عُمر الأزمة، حيث تعتبر على خط النار الأول، ولطالما شهدت المنطقة والمجمع أعمالاً عسكرية، وللعلم، فإن هذا المجمع يحوي أكثر من مئتي منشأة صناعية وحرفية صغيرة ومتوسطة، وأكثر من مئة محل ومكتب تجاري، ويقدر عدد العمال في هذا التجمع بأكثر من ألف عامل وعاملة، وغالبية هذه المنشآت تعمل في الصناعات النسيجية من جوارب وألبسة وتطريز وخيوط تركيبية وممزوجة، ويتبع تلك النشاطات الصناعية والحرفية نشاط المحال التجارية، وهنالك العديد من الصناعيين الذين أخذوا أكثر من عقار معاً ليتسع لحجم صناعاتهم وقدرتهم الإنتاجية، مما جعلهم يحتفظون بعدد كبير من العمال يصل لأكثر من خمسين عامل وعاملة، وجميع العاملين في هذا المجمع يصنفون ضمن عمال القطاع الخاص غير المنظم، كونهم يعملون بلا عقود أو تأمينات إلا نسبة قليلة جداً من أقارب أرباب العمل، أو لضرورات قانونية تتعلق بإجازات الاستيراد والسجلات التجارية والصناعية.
بين عدم المعرفة
والهوية النقابية
فتحنا قنوات حوارٍ واسعةٍ مع العديد من العاملين في المجمع لنستطلع معرفتهم ورأيهم بالحركة النقابية بشكل عام، والتنظيم النقابي بشكل خاص، ومدى علاقتهم به، البداية كانت مع علياء (أم سامر) عاملة إنتاج في معمل تطريز إلكتروني، أخبرتنا بعدم معرفتها بالمنظمة النقابية أو عملها، وقالت: إنها تمارس المهنة منذ 13 عاماً وكانت بداية عملها في ورشات التطريز بمنطقة الشماعين في حي الشاغور، وبأنها لم تسمع بنقابات للعمال بل بنقابات المعلمين والمحامين، أما بشار وهو شاب يعمل في أحد المحال التجارية المتخصصة ببيع الخيوط والمطاط، فقد أخرج من جيبه هوية نقابية توضح بأنه عضو في نقابة المصارف تحت بند منشآت تجارية، وبعد إسهابنا في الحديث معه تبين لنا بأنه لا يدرك شيئاً من عمل النقابات، ولم يرَ مبنى النقابات في حياته، وإنما حصل على البطاقة النقابية عن طريق ممثل لنقابة المصارف في المجمع منذ ثلاث سنوات من أجل تسهيل أموره عند الحواجز الكثيرة التي تتواجد على الطرقات بين مكان إقامته في السيدة زينب والمجمع، وبأن البطاقة ساعدته كثيراً بتخفيف عبء الانتظار للتفييش وأضاف بأن عشرات العمال في المجمع قد حذوا حذوه، ولا علم له بأية ميزات أخرى لكونه منتسباً للنقابة.
يبحثون عن الدور والاستقلالية
أما مؤيد وهو شاب يعمل في أحد أكبر منشآت الجوارب في المجمع، وخلال إجازته العسكرية، فقد أكد لنا بأنه يعلم بالنقابات ودورها وميزات الانتساب وبأنه منتسب لنقابة الغزل والنسيج في دمشق، وبأن سبب انتسابه يعود لمتابعته الدورية لإحدى الجرائد المحلية التي تفرد مساحة كبيرة لتناول هموم العمال وعمل النقابات، وشدد على أهمية النقابات ناقداً في الوقت ذاته طريقة عملها وضعف تأثيرها، وأضاف عن رغبته بتجديد اشتراكه النقابي فور انتهائه من الخدمة الاحتياطية، كونها تمثل كل هؤلاء العمال وتضمن حقوقهم في حال استطاعت أن تشد حيلها خلال الفترة القادمة.
زميله أبو سعيد في المنشأة نفسها، وضح لنا رأيه بأن النقابات جزء من الحكومة، ولا يمكنها الوقوف في وجه سياساتها وحين أخبرناه بأنها منظمة شعبية مستقلة وليست حكومية، اعترض على توضيحنا وقال: إنها مستقلة بالشكل وعلى الورق، ولكن بالحقيقية فهي ليست كذلك شأنها شأن كل الاتحادات الأخرى كالاتحاد الرياضي العام.
الاعتماد على النقابات
هذه العينة القليلة التي أوردناها من جملة اللقاءات التي أجريناها مع عدد كبير من العاملين في مجمع الزبلطاني ليس الهدف منها إلا إيصال جانب من واقع عمال القطاع الخاص غير المنظم للتنظيم النقابي، كمساهمة منا في توضيح الرؤى، وهو ليس بجديد على مسامع الحركة النقابية، فأهل مكة أدرى بشعابها، ومن المفيد أن نعيد التذكير بأهمية الوصول لهذه الشريحة العمالية الغائبة عن المنظمة لأسباب باتت أكثر وضوحاً بعد الاحتكاك بهم وسماع رأيهم، وهم اليوم أحوج ما يكونون للمنظمة ونشاطها الجدّي والملموس، والمنظمة أيضاً بحاجتهم ليكونوا ضمن صفوفها وبرنامجها الوطني فتقوى بهم ويقوون بها، ولا ضير من الاعتراف بالتقصير والتراخي، فهؤلاء العمال ينتظرون من يناضل معهم من أجل حقوقهم في أجر يكافئ المعيشة، ومظلة قانونية وتأمينية تقي شيخوختهم، وعليه فإن النقابات مطالبة اليوم بإيجاد الوسائل الضرورية وامتلاك الأدوات المستمدة من الواقع ذاته من أجل استعادة الدور الوظيفي، والوزن الحقيقي، كي تستقيم الأمور وتأخذ الطبقة العاملة وسائر الكادحين حقوقهم المسلوبة.