لا تضعوا العربة قبل الحصان
حين يسارع التنظيم النقابي للإجراءات التنظيمية، ويجعلها برنامجاً يصلح لمعالجة موضوع عمال القطاع الخاص، يتبين بشكل واضح وموضوعي بأن هذه الإجراءات وعلى رغم أهميتها ليست إلّا عربة قد وضعت أمام الحصان، فحين يسبق الجانب التنظيمي الجانب الوظيفي بمثل هكذا معالجة، حينها سيبقى الدور غائباً والتنظيم مأزوم.
تنبه التنظيم النقابي مؤخراً ومتأخراً لموضوعة عمال القطاع الخاص، مما جعل النقاش فيه يتصدر مجمل النقاشات المستمرة بين النقابين وأقطاب الحركة النقابية وقواها الحية والفاعلة، ولعل الملفت بهذا التنبه المتأخر تلك الإجراءات والقرارات الصادرة من القيادة النقابية، حيث غطى هذا التحرك جانبين، أولهما: إعادة تقييم اللجان النقابية التابعة للقطاع الخاص داخل التنظيم النقابي، والإجراء الآخر: هو الإيعاز للنقابات بالبدء بالتحرك الجدِّي بهدف ضم أعداد جديدة من عمال القطاع الخاص لجسد المنظمة وبالقطاعات الإنتاجية والإدارية والخدمية كافة، ومن هنا وجدنا أنه من الضروري أن نعرض وبشكل مكثف وواضح، رأياً وموقفاً يعكس مصلحة هذه الشريحة الواسعة والمهمة بشكل خاص، ومصلحة الطبقة العاملة والحركة النقابية بشكل عام، على أن نتوسع ببنود الرأي في مواد لاحقة تتطرق للتفاصيل والنقاط الهامة.
الحلول ليست تنظيمية
طلبت القيادة النقابية من اتحادات المحافظة والنقابات التي تضم لجان قطاع خاص، بأن تعيد دراسة واقع اللجان النقابية الخاصة في القطاع الخاص حيثما وجدت، لتتمكن من معالجة وضعها التنظيمي ومشاكلها, لأخذ الإجراء المناسب من ضمن الإجراءات الثلاثة الاعتيادية المتبعة، وهي: إلغاء اللجنة، أو دمج اللجان، أو إعادة تشكيلها وتوزيع المهام بين أعضائها، ولذلك أخذت النقابات وبإشراف الاتحادات بالعمل على هذه المعالجات، وإن كنا نرى بأن التنبه الذي ظهر في الاتحاد العام ومحاولة استدراك الواقع غير السليم للكثير من اللجان النقابية هو أمر جيد، وفي مكانه ونتفق عليه، إلّا أن معالجاته ليست كذلك! بل نعتقد بأنها أحادية المعالجة، أي بأن المعالجة التنظيمية لوحدها ليست كافية، بل لا بد من تفسير كل تلك المشاكل وزوايا الضعف بمنطقٍ آخر وموضوعي يبدأ من معرفة أسباب ظهور الجوانب الضعيفة ببنية اللجنة ودورها، سواء كانت الأسباب عامة تشمل واقع التنظيم بشكل عام، أو خاصة لها علاقة بحقيقة تمثيل هذه اللجان للعمال في مواقع عملهم وتعبيرهم عن مصالحهم وحقوقهم، ونمط العلاقة التي تربط اللجنة بربّ العمل، لذلك يتوجب على التنظيم النقابي البحث عن مواقع الخلل في أماكنها الحقيقية، كي يستطيع إيجاد الحلول المناسبة التي إن عولجت بشكل جدي ستكون النتائج بحد ذاتها مقدمات الحلول التنظيمية كاملة.
بغياب الدور هل ينفع التنظيم؟
التحرك الآخر للتنظيم النقابي تمثل بالتوجه لعمال القطاع الخاص بمختلف القطاعات بهدف ضمهم للتنظيم النقابي، وإن كانت خطوة متأخرة فإنها ضرورية وهامة، وخاصة في هذا التوقيت الذي تقترب فيه البلاد من العملية السياسية، والتي تعني بالضرورة إطلاق عملية إعادة الإعمار وتوسع القطاع الخاص بالقطاعات كافة، وبالتالي زيادة التجمعات العمالية وارتفاع أهمية ضمان الحقوق الكاملة لهم، ولكن سيبقى هذا التوجه أحادي الجانب إن لم تكن هناك حزمة من الإجراءات المفترض البدء بها، وأولاها استعادة الدور الوظيفي للتنظيم النقابي، بما يتيح له رفع وزنه، وبالتالي رفع قدرته على استقطاب الفئات العمالية كافة في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم، فحينها سيأتي العمال للالتحاق بالنقابات طواعية وبدوافع ذاتية بعيدة عن رغبة ومزاجية وشروط ربّ العمل، تشدهم رغبتهم بالانضمام لتنظيم قوي وقادر وصاحب دور طبقي حقيقي يستطيعون من خلاله انتزاع حقوقهم المسلوبة من أرباب العمل.
هل يأتي العمال؟
يُّعد الاتحاد العام لنقابات العمال أكبر منظمة شعبية في سورية، نشأت بفعل نضالات وتضحيات عظيمة، لم يستطع غبار العقود الطويلة الماضية من طمسها وتشويه محتواها، وهذه المنظمة مطالبة اليوم بإعادة صياغة برامجها وتبني مصالح الطبقة العاملة بأسرها، والمطالبة بحقوقها بالوسائل المشروعة كافة، وكذلك لم يكن دور عمال القطاع الخاص دوراً طارئاً أو مؤقتاً، بل كان له الدور الأساس في نشوئها وانتزاع وجودها، وعليه فإن وضع قضية عمال القطاع الخاص كأولوية في المرحلة المقبلة لعمل الحركة النقابية أولوية صحيحة, ويبقى السؤال: هل يلتحق العمال بنقابات لا تتبنى حق الإضراب؟ ولا تعتصم لأجل رفع الأجور وتعديل القوانين؟ أو تتدخل بالموازنة العامة وتحاسب الحكومة؟ والقائمة تطول وهنا تحديداً تكمن الحلول.