شهداء على جبهات العمل
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

شهداء على جبهات العمل

شهداء على جبهات العمل يتساقطون في سبيل تأمين لقمة عيش لهم ولعائلاتهم تقيهم شر العوز والحرمان، ولكن الموت يخطفهم من على آلاتهم وكما عاشوا في صمت يرحلون في صمت أيضاً، دون أن يدري أحد بهم، ولعل الموت جاء ليخلصّهم من الاستغلال الذي يتعرضون له.

يموت العديد من العمال دون أن يعاقب ربّ عمل واحدٍ كجزاء لتقصيره عن تأمين وسائل الوقاية والسلامة المهنية في منشأته، أو كنتيجة عدم وجود نقطة طبية في منشأته، يموت هؤلاء ولا يجد ذووهم من يحاسب المسؤول عن وفاة أبنائهم ولا يجدون سوا كلمة (قضاء الله وقدره) أو هذه (هي إرادة الله) كي يواسوا بها أنفسهم في ظل الاستهتار الحكومي بهم وبأبنائهم، وهم يعلمون بأن الحكومة التي هدرت حقوق أبنائهم وهم على قيد الحياة لن تنصفهم وهم في القبور.
لا أحد يقف مع العمال
الحقيقة، أن هؤلاء العمال يُقتلون، والقاتل معروف، ولكن القانون يحمّيه من المساءلة، فإذا كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والحكومة تقف إلى جانب أرباب العمل، ولا تحاسبهم نتيجة تقصيرهم في التأمين على عمالهم وحمايتهم، وتأمين وسائل الصحة والسلامة المهنية لهم، ومنظمات العمل المسؤولة عن العمال والمكلفّة بالدفاع عنهم لا حول لها ولا قوة، ولا تمر مناسبة إلا لتعيد وتؤكد أنها شريكة مع الحكومة تاركة العمال وحدهم في مواجهة أرباب العمل وسلطتهم ونفوذهم.
أين مفتشو العمل من هذه الحوادث
من المعلوم، أن أي حادث يتعرض له العامل لا بدّ وأن يُسعف إلى المشفى ومن واجب السلطات المختصة إجراء تحقيق لمعرفة ملابسات الحادث وعلى من تقع المسؤولية، إلّا أن أغلب هذه التحقيقات تلفلف ولا نسمع بسجن أو معاقبة أحد ما !!.
ولماذا لا يقوم مفتشو وزارة العمل وتأمينات الاجتماعية واتحاد العام لنقابات العمال بإجراء تحقيقاتهم المستقلة، ويقومون بالتوجه إلى المنشأة التي وقع فيها الحادث للتأكد من اتباع صاحب العمل لوسائل الصحة والسلامة المهنية، ومن التأكد بأن عماله مسجلون بالتأمينات حسب الأصول، وفرض العقوبات عليه في حال مخالفته لأحكام قانون العمل، ألا يعتبر وقوع مثل هذه الحوادث إشارة على وقوع خطب ما يجب كشفه من خلال تفتيش أماكن العمل والاطّلاع على أحوال العمال فيها، تفادياً لوقوع حوادث أخرى في المستقبل، أم أن مفتشي العمل يجب وضع مفتشين عليهم أيضاً؟؟ فكم من حقوق عمالٍ أضاع هؤلاء نتيجة رشوتهم من قبل رب العمل.
العقوبات المالية
ليست رادعة
لماذا لا يتم إغلاق المنشأة في حال اكتشاف مخالفة ما أو خطأ جسيم من قبل ربّ العمل؟؟ فهل من المعقول الاقتصار على فرض عقوبات مالية على ربّ العمل في حالة مخالفته لقواعد الصحة والسلامة المهنية والتي تؤدي نتيجة إهماله إلى وفاة عماله أو أذيتهم، كما كان الحال في قانون العمل رقم 91 لعام 1959، فأغلب حالات الوفاة تنتج بسبب عدم وجود نقطة طبية في المنشأة، أو طبيب لتقوم بالإسعافات الأولية اللازمة أو بسبب عدم مراعاة ربّ العمل لقواعد الصحة والسلامة المهنية.
العمال النازحون
عدا عن العمال السوريين الذين لقوا حتفهم في البلدان المجاورة والذين تعرضوا للإساءة والاضطهاد والإهانة، وجلهم يعمل في ظروف سيئة وفي وضع استغلالي بشع، وبأجور زهيدة، فلم يخرج أي بيان رسمي من أية جهة حكومية يستنكر على الأقل ما يتعرض له العمال السوريون ويدافع عن حقوقهم وكأنهم ليسوا مواطنين سوريين.
الله جعل من يموت وهو على رأس عمله وفي سبيل تأمين قوت يومه جعله في منزلة الشهداء، ولكن للحكومة رأياً آخر فهم ليسوا سوى مواطنين من الدرجة الثانية لا تعترف بهم ولا بحقوقهم ولا تعترف بأسرهم، بل تاركة شبابها يموتون ويصابون في مواقع العمل دون أن تحرك ساكناً، ليقع بعد ذلك ذوو العمال الشهداء ضحية ابتزاز ربّ العمل لهم الذي يقاضيهم بكل وقاحة على أرواح أبنائهم فلا ينالون منه سوى نذرٍ بسيط كتعويض عن أبنائهم.