الحكومة تعد بزيادة الوعود
ما تزال الحكومة تراهن على قدراتها الاستثنائية في منح الوعود المتعلقة بتحسين الوضع المعيشي، تلك الوعود التي ملت الطبقة العاملة من سماعها وفقدت ثقتها بها منذ أمد بعيد.
واليوم، ما عاد المواطن يطمح إلى مستوى معيشة مرتفع ولا تغريه عبارات من قبيل «تحسين الدخل» و»رفع مستوى المعيشة»، إذ أنه وبفضل سياسات الحكومة الرشيدة تجاوز التفكير «بالمستوى» وبات يهتم بالمعيشة ذاتها.
أرقام مقلقة
لا يحتاج أحدنا اليوم إلى قراءة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية حتى يدرك عمق المعاناة المعيشية للأغلبية الساحقة من السوريين، ومع ذلك فإن التقرير الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «فاو» مؤخراً يلقي الضوء على حجم المشكلة، إذ يوضح أن 85% من السوريين يعيشون في فقر، وأن 6.7 مليون منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، وهذا أيضاً قد أكدته بعض الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث المحلية.
ويتابع التقرير، فيسرد تفاصيل أكثر دقة إذ يذكر أن ربع الأطفال دون الخامسة والنساء البالغات تقريبا ًمصابون بفقر الدم، وأن نحو نصف السكان لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية.
ومع كل ذلك لا تبدي الحكومة اهتماماً بما جاء في التقرير أو أي من التقارير السابقة، كما لا تأخذ على عاتقها إجراء أية دراسة لتقصي أحوال السوريين، إذ أن شغلها الشاغل هو تسويف قضية الأجور وتدويرها من تصريح إلى آخر، وتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
المرحلة الأولى؟
من الوعود التي سمعناها مؤخراً، ما أكدته الحكومة لاتحاد العمال: أن زيادة الرواتب ستكون في القريب والقريب جداً، وأحد الوزراء يصرح أن زيادة الأجور ستكون مجزيه، وأن “المرحلة الأولى» قد بدأت بالفعل مع زيادة رواتب العسكريين.
كما تطرقت الحكومة إلى قرب تثبيت العاملين، عبر العمل على إصدار قانون «عصري ومناسب للجميع، ويلبي طموح العمال»
زيادة غير كافية
لكن الزيادة التي طرأت على أجور العسكريين الحاليين والمتقاعدين والتي تتغنى بها الحكومة لا تتجاوز 30% وهي زيادة هزيلة للغاية ولا يمكن أن تنفع بأية حال من الأحوال في رفع مستوى المعيشة، إذ يتطلب الأمر زيادة لا تقل عن 100% حتى يصبح في وسع المرء الحديث عن مستوى المعيشة.
فوفقاً لمؤشر قاسيون لتكاليف معيشة أسرة مكونة من 5 أشخاص، فإن تلبية متطلبات الحياة الأساسية في نهاية النصف الأول من هذا العام تتطلب نحو 311 ألف ليرة، في حين أن متوسط الأجور لا يتجاوز 35 ألف ليرة فقط، أي: أننا بحاجة لزيادة لا تقل عن 400 % للوصول إلى أجور مقبولة، وأية زيادة دون ذلك ليست سوى محاولة للإلهاء وتضييع الحقوق.
فمعادلة الدخل الوطني لم تعد خافية على أحد، ويدرك العمال جيداً أن ادعاءات الحكومة ومماطلتها بحجة الحرب والأوضاع الاقتصادية المتردية هي ذر للرماد في العيون، وأن زيادة الأجور، وبالتالي تحسين الوضع المعيشي يتطلب تغييرات جذرية في بنية هذه المعادلة، وخفض نسبة الأرباح إلى الأجور وهذا يحتاج إلى قرار سياسي يؤكد على حق أغلبية الشعب السوري الفقيرة بمستوى معيشي يحفظ كرامتهم، حيث يعني هذا: إعادة توزيع الثروة على نحو أكثر عدالةً بدل البحث عن شماعة تعلق عليها الحكومة انحيازها الجائر نحو أصحاب رؤوس الأموال.