الإعاقة والعجز والموت بسبب العمل
الإعاقة أو العجز الذي يصيب العامل نتيجة العمل يعتبر قضية اجتماعية وإنسانية، وهي تشكل كارثة اجتماعية من الناحية النفسية والاجتماعية وتنعكس بشكل سلبي على المصابين بحوادث العمل وأفراد أسرة المصاب، ومهمة التأمينات الاجتماعية إزالة هذه الإعاقة أو التخفيف من أثارها وذلك بتأمين المصاب لمتطلبات حياته الأساسية، وتوفير الدخل المناسب الذي يؤمن حاجاته، وهذا حق طبيعي ومشروع لكل صاحب قوة عمل في مجتمعه وقد يكون هذا الإجراء هو جانب مهم توفره التأمينات الاجتماعية ولكن غير كافٍ لمفهوم التأمين وغايته الإنسانية والاجتماعية.
حدد قانون التأمينات نسبة التعويضات الممنوحة للعامل المصاب بحدٍ أعلى لا يتجاوز 80% من راتبه التأميني المسجل لدى المؤسسة، ومن المعروف أن معظم عمال قطاع الخاص المنضوين تحت مظلة التأمينات هم مسجلون برواتب الحد الأدنى للأجور وهي غالباً ما تكون أقل بكثير من رواتبهم الحقيقية، إضافة إلى أن هذا الحد الأدنى بعيدٌ جداً عن الحد الأدنى للمعيشة اليوم، الذي يتجاوزه بعدة أضعاف، وكذلك رواتب عمال الدولة لا تنقصهم هذه المعاناة من ضعف الأجور المتدنية، وبكل الأحوال: إن أي نوع من أنواع الإعاقة أو العجز الذي يتعرض لها العامل المصاب هو بالنسبة للعامل انخفاض في الدخل وتدنٍ في توفير الحاجات الحياتية له ولأفراد أسرته، وبالتالي لها انعكاسات سلبية اجتماعية وإنسانية عليه إذ لابد من أن يستكمل مفهوم هذه المسؤولية اتجاه المصاب إصابة عمل التي أدت إلى عجز العامل أو إعاقته، وذلك بتأمين التأهيل الضروري واللازم لإعادة العضو المصاب وتدريبه على عمل يتناسب مع نسبة الإعاقة أو العجز، يؤمن له الدخل اللازم لحياته وحياة أفراد أسرته، تحقيقاً لأهداف مؤسسة التأمينات الاجتماعية في رعاية العمال المنضوين تحت مظلتها صحياً واجتماعياً واقتصادياً، كون هذه المؤسسة المسؤول الأول والأخير عمّا تخلف إصابة العمل للعامل، ومن غير المعقول أن يعتمد العامل المصاب على الجمعيات الخيرية أو المؤسسات التي تقوم بمهام اتجاه المعاقين أو العجزة نتيجة لظروف خارج إطار العمل، وبالتالي يفقد العامل المصاب شعوره بكيانه الاجتماعي وصلته بمجتمعه.
لذا يقع على عاتق مؤسسة التأمينات: تأمين تلك المراكز الخاصة بالتأهيل والتدريب للعامل المصاب وتوفير الأجهزة المناسبة للإعاقة كافة، للوصول إلى أدنى درجة من الإعاقة والعجز، وإعادة العامل للعمل ضمن ظروفه الجديدة دون أي انتقاص من حقوقه ومكتسباته.
يمكن أن نسوق مثالاً من الواقع الملموس في بعض المعامل الكبرى التي تعتبر من أهم وأكبر المعامل في مجال صناعة السيراميك، وحاصلة على نظام الإيزو، وهذا يعني توفر القضايا الأساسيه والضرورية لقضايا الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية التي تؤمن للعامل السلامة الضرورية أثناء العمل، وخاصةً حمايته من إصابات العمل التي تصل درجة خطورتها إلى الحد الذي يهدد حياة العمال مباشرة، مثلما حدث لأحد العمال الذي سقط من ارتفاع 12 متراً أثناء قيامه بالصيانة ولم يجد هذا العامل من يسعفه بالشكل المطلوب لعدم توفر سيارة تسعفه بشكل آمن ولعدم وجود مركز إسعاف قريب داخل الشركة أو خارجها يقدم الإسعافات الأولية المطلوبة بينما يتم تأمينه إلى أقرب مشفى تنقذ حياته.
والسؤال المطروح: من يتحمل مسئولية وفاة هذا العامل؟ الشركة التي لم تؤمن الأساسيات الضرورية للأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية ومركز إسعافات أولية، أم التأمينات الاجتماعية التي لم تعمل على إلزام الشركات بتأمين تلك القضايا، أم النقابات التي تتابع تأمين مستلزمات الصحة والسلامة المهنية؟ إنه سؤال برسم الجميع حيث هذا الحادث لم يكن الأول ولن يكون الأخير، وسيتكرر في هذا المعمل وكل المعامل الأخرى، طالما التطنيش من كل تلك الجهات هو السائد.
إن الخاسر الأول والأخير هم العمال: خاسرون لحياتهم وتعبهم ولجهدهم الذي يبذلونه من أجل حفنة من الليرات لا تسمن ولا تغني من جوع.