زيادة الأجور حقّ وضرورة!

زيادة الأجور حقّ وضرورة!

بتاريخ 20/2/2018 عقد مؤتمر عمال القنيطرة مؤتمره، وقد تركزت مداخلات العاملين كعادتها على الكثير من القضايا المطلبية، التي يعتبر بعضها مزمناً.

 

اللافت في المؤتمر، هو ما نقل عن لسان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، عبر إحدى الصحف المحلية، حيث ورد بأنه: «أكد صعوبة الوضع المعيشي بسبب الأزمة وتجار الأزمة، وبسبب سياسات حكومية قاصرة في بعض المجالات، مشدداً على أن ضبط الأسواق والأسعار من دون رفع الرواتب والأجور يسهم في تحسين المعيشة للمواطنين، لأن رفع الرواتب سيؤدي إلى زيادة التضخم حالياً، وستذهب الزيادة إلى جيوب التجار».
لعل توصيف رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال أعلاه فيه في بعض الصحة حول مقدمات وأسباب تردي الوضع المعيشي (الأزمة وتجارها وقصور السياسات الحكومية)، وبأن ضبط الأسواق ربما ينعكس إيجاباً على تحسن الوضع المعيشي.
أما الحديث عن أن زيادة الأجور ستؤدي إلى التضخم وستذهب لجيوب التجار، فهو ربما لا يصب إلا بخانة التوافق مع السياسات الحكومية «القاصرة» نفسها، بذرائعها ومبرراتها في سياسة تجميد الأجور.
بمطلق الأحوال، فإن ضبط الأسواق والأسعار هو من واجبات الحكومة بغض النظر عن سياسة تجميد الأجور والذرائعية المرتبطة بها، في المقابل فإن زيادة الأجور هي حق عمالي مرتبط بشكل مباشر بتكاليف المعيشة ومستواها، والتي وصل التردي فيها لحدود غير مسبوقة من الإفقار لدرجة العوز، وبحيث أصبحت معه الزيادة على الأجور ضرورةً وواجباً وطنياً وإنسانياً.
أما خلط الحابل بالنابل بين الحقوق والواجبات بالشكل والنموذج أعلاه، فهو لا يعبر إلا عن جوهر السياسات الحكومية الليبرالية المحابية لأصحاب الأرباح على حساب أصحاب الأجور، ونتيجته الملموسة المتمثلة بالمزيد من الإفقار، وتعميمه.
ولن نخوض هنا بتفاصيل ربط زيادة الأجور بالتضخم وفقاً للسياسات الحكومية الذرائعية، وخاصة حول تمويل هذه الزيادة كذريعة أساسية، في ظل تغييب الكثير من مصادر التمويل الحقيقي، التي تمنع أو تحد من التضخم، إن كان بسبب نظام الضرائب والإعفاءات الكبيرة فيه، وحجم التهرب الضريبي الذي لم يصدر عنه أي رقم رسمي، بالإضافة إلى الإعفاءات الكثيرة الأخرى المتضمنه في جملة قوانين الاستثمار المعمول بها، أو سياسات الإقراض والتمويل للاستثمارات الخاصة، مع تحفيض استثمارات الدولة في القطاعات الإنتاجية العامة أو تقييدها، أو بسبب كتلة حجم الفساد والنهب الكبير الجاري على مستوى الاقتصاد الوطني، وغياب أية أرقام رسمية عنه أيضاً، أو غيرها من مصادر التمويل الحقيقية المغيبة الأخرى، والتي امتلأت منها جيوب كبار التجار والمستثمرين وحيتان الفساد سلفاً، منذ عقود، وما زالت.
في المختصر المفيد، لا تحسين للمستوى المعيشي بمعزل عن زيادة الأجور كحق وضرورة، وكل ما عدا ذلك من إجراءات فهي لا تخرج عن كونها مهام وواجبات حكومية من المفترض أنها استحقاقات، ولا يجوز أن يتم الحديث عنها من بوابة المساومة على الحقوق بحال من الأحوال.