لماذا نحتاج إلى شركة تأمين عمالية؟
تكرر الحديث مؤخراً عن ضرورة إنشاء شركة تأمين عمالية، تتبع للاتحاد العام لنقابات العمال، وترفع عن العمال الظلم الذي يعانونه جراء التعامل مع شركات التأمين الخاصة، تلك الشركات التي تنظر إلى التأمين الصحي بوصفه مشروعاً ربحياً واستثمارياً، دون الاهتمام بدوره كعمل اجتماعي وحق عمالي مشروع.
ورغم أن الاتحاد العام يعد بتحقيق هذا المطلب منذ سنوات، إلا أنه ما يزال يبدو بعيد المنال، إذ يصطدم بالعديد من العقبات، وفي مقدمتها: تضارب مصالح الأقلية الليبرالية المتحكمة بمفاصل الاقتصاد السوري، مع حاجات الطبقة العاملة، التي تشكل السواد الأعظم من الشعب، وتزداد فقراً يوماً بعد يوم.
قديم ومتجدد
المطالبة برفع سوية التأمين الصحي المقدم للعمال من مختلف الفئات، ما زال واحداً من أبرز المطالب العمالية المطروحة خلال المؤتمرات النقابية السنوية، التي شهدنا آخرها منذ أيام، وهو مطلب يجري تدويره كل عام بمختلف تفاصيله المرتبطة بجودة الخدمة الطبية، وضرورة رفع سقف التغطية التأمينية إلى جانب التأمين على أسرة العامل، وعلى المتقاعدين.. ما يعكس حالة واسعة من الاستياء بين صفوف العمال، إزاء هذا الموضوع الشائك.
تكافل لا استثمار
خلال السنوات الماضية، ثبت أنه من غير المجدي الحديث عن إصلاح يطال شركات تقديم الخدمة الطبية، إذ لا يكمن الحل بإصلاحها، وإنما نحتاج إلى تغيرات حقيقية وجذرية في العملية التأمينية برمتها، بما ينسجم مع طرح الاتحاد العام القائل: بضرورة إيجاد شركة تأمين تتبع له، وتكون بمنأى عن العقلية الاستثمارية البحتة، التي تتعامل بها الشركات الخاصة، متسببة في إفراغ التأمين الصحي من جوهره، بوصفه نوعاً من التكافل الاجتماعي، وإهدار لكرامة العمال عند حاجتهم إلى العلاج.
إذ يقوم التأمين الصحي كما يفترض، على حق العامل في الحصول على الرعاية الصحية، من طبابة وتحاليل وأدوية وصور شعاعية.. إلخ بشكل كامل مقابل الاقتطاعات التي تؤخذ من أجره شهرياً، إلى جانب ما يدفعه رب العمل من اشتراك سنوي، لكن التعامل مع التأمين بوصفه مشروعاً غايته الربح، يقود النسبة الأكبر من هذه المبالغ إلى جيوب المستثمرين من أصحاب الشركات، في حين لا يلقى العامل سوى تأميناً صحياً مجتزأً، ولا يفي بالغرض على شاكلة نسبة محددة من التغطية التأمينية، في حين يتحتم عليه دفع الباقي من جيبه الخاص، وهو ما يتناقض تماماً مع مبدأ التأمين القائم على التغطية الكاملة. والنتيجة: أن ما يجده العمال اليوم ليس تأميناً صحياً حقيقياً، وإنما نسخةً مشوهةً لما يفترض أن يكون عليه في الواقع.
أعذار جاهزة!
«كيف يمكن ترك العامل بعد أن تقدم به العمر، ونالت من صحته الأمراض المهنية، التي أورثتها له عقود من العمل دون تأمين صحي عند تقاعده، كما لو أنه مجرد آلة باتت خارج الخدمة، دون أية مراعاة لكرامته كإنسان، وحاجاته كمسنٍ؟» سؤال طرحه ممثلو العمال مراراً خلال مؤتمراتهم لهذا العام، فحقيقة أن التأمين الصحي لا يشمل المتقاعدين، يمثل انتهاكاً لواحدٍ من أبسط حقوق العمال، والعذر الحاضر دائماً، هو: عدم كفاية المبالغ التي تجنيها شركات التأمين الخاصة، هذا العذر الذي يساق إلينا، كلما ارتفع صوت مطالب بتشميل المتقاعدين، أو تشميل أسرة العامل بمظلة التأمين، والحقيقة: أن إيرادات شركات التأمين لن تكفي بالفعل طالما أنها تتعامل مع المؤمن عليهم بوصفهم ماكينات لجني الأموال لا أكثر، في حين أن ما تجنيه هذه الشركات أكثر من كافٍ لتقديم خدمة طبية لائقة للجميع، فيما لو توقفت عن السعي لتكديس الأرباح من جيوب العمال، وتعاملت مع ملف التأمين على أنه حق لهم لا وسيلة لابتزاز نقودهم، وبالطبع فإن الشركات الخاصة لن تفلح في تغير نظرتها إلى العملية التأمينية، طالما أنها تتعامل بعقلية استثمارية رأسمالية، وهو ما يجعل إيجاد شركة تأمين عمالية تتبع للاتحاد العام، السبيل الوحيد لاستعادة حقوق العمال المسلوبة.