الموزاييك الدمشقي بحاجة إلى إحياء؟
دفاعاً عن مصدر رزقهم، وحفاظاً على أصالة الحرفة التراثية ذات الشهرة العالمية، يواصل حرفيو الموزاييك الدمشقي مزاولة مهنة أجدادهم، حاملين على عاتقهم، الآثار المتراكمة لغياب دعم الاتحاد العام للحرفين من ناحية، واضطرارهم الخضوع لما يفرضه التجار المسؤولون عن تأمين المواد الأولية وتسويق الإنتاج..
ما بين ظروف الأزمة وغياب الجمعية؟
توقفّت الغالبية العظمى للعاملين في الحرفة، بشكل شبه كامل عن الإنتاج لما يقارب العامين الكاملين مع بداية الأزمة، نتيجة خروج معامل جوبر وبيت سحم «المنطقتين الأساسيتين في التشغيل» عن الإنتاج، وهجرة نسبة كبيرة من أرباب الكار، والعاملين إلى دول الجوار، إلى حين العودة مع افتتاح ورشات صغير ومتوسطة في مناطق جرمانا ودويلعة وباب توما.
وفي جولة لنا على إحدى الورش، أكّد لنا العاملون: أنّ الصعاب التي تعرقل إنتاجهم تعود إلى ما قبل الأزمة بسنوات عديدة، نتيجة المعروض الكثير من المنتجات المتنوعة، وقلّة الطلب المحلي عليها باعتبارها من الكماليات واقتصارها على السيّاح، ومع غياب الدور الذي من المفترض أن يقوم به الاتحاد العام للحرفيين، في تأمين المواد الأولية والرقابة، وقعنا تحت رحمة التجّار المسيطرين على تفاصيل مراحل عملية الإنتاج، بدءاً من توفير بعض أنواع الأخشاب المحلية، واستيراد غيرها، وشراء إنتاجهم بأسعار زهيدة «لا تسمن ولا تغني من جوع»، لتأتي الأزمة وتخلق لنا عوائق جديدة، تتمثّل في:
خسارة اليد العاملة
مثلّت تركيا سوقاً أساسياً في تصريف منتجاتنا، ومع انفجار الأزمة، استقطبت ما يزيد عن نصف الحرفيين لتؤمن لهم معامل وشروط عمل أكثر ملائمة مما هي عليه لدينا، ونتيجة لذلك، انخفض استيرادها إلى ثلث ما كانت تستورده سابقاً، وعدا عن ذلك، فإننّا نعجز عن رفد الورش اليوم بالعمّال نتيجة انخفاض الأجور، والدقة التي تحتاجها الحرفة، والصبر على الأثار الصحية التي نعانيها، جراء الوقوف لساعات طويلة، واستنشاقنا المستمر لغبار الخشب «ديسك_ انقراص الفقرات_ الربو بشكل أساسي». ليقتصر العمل على أصحاب الكار القدامى.
التحطيب والحاجز.
يحتاج حرفيو الموزاييك إلى قشر شجر الحور، وقد كان متوفراً في السابق عبر تاجرين فقط يرفدا الورش والمعامل بها، توقفّ أحدهما عن العمل في جوبر، ومازال الآخر مستمراً بعمله في بيت سحم، إلا أنّ الأخير بدأ إنتاجه بالانخفاض نتيجة التحطيب في الغوطة، وندرة الأشجار، والحاجز الذي يطالبه بنسبة من أرباحه، لتضاف إلى تكاليف الإنتاج.
وعندما سألناهم عن دور الجمعية الحرفية في ذلك، قالوا باستهزاء: سمعنا ولا نزال عن اجتماعات اللجنة، ورؤيتها بضرورة إحياء المهنة، ودعمنا، ولكننا لا نلمس أي تغيير في آليات العمل، ولكننّا لن نتراجع عن مزاولة مهنة أجدادنا، بحكم أنها مصدر رزقنا الوحيد الذي يبعدنا عن العوز، ومحاولةً منا في الحفاظ على استمراريتها..
إنّ الحفاظ على هذه المهنة العريقة، يحتاج إلى حلول سريعة، تتمثّل في: إيجاد حلول مناسبة في تسهيل عملية الإنتاج على الحرفيين، وهو ماله أهمية كبرى في إبعاد هذه الشريحة الواسعة عن الفقر، ورفد الاقتصاد الوطني بدخل إضافي من القطع الأجنبي، والجمعية الحرفية مطالبة في الإيجاد الفوري للآليات المناسبة.