مؤتمرات عمال دمشق وصوت العمال الغائب؟
بدأ اتحاد عمال دمشق اجتماعه السنوي الدوري مطلع الأسبوع الفائت، حاملاً معه العديد من المطالب العمالية، التي يجري تدويريها كل عام، دون أية إنجازات تذكر، واتسمت معظم المداخلات في المؤتمرات المنعقدة حتى الآن، بغياب الجرأة في الطرح، والتركيز على المطالب الثانوية على حساب القضايا الملحة، التي ما عادت تحتمل التأجيل، وفي طليعتها الأجور والوضع المعيشي المتردي للطبقة العاملة.
هموم النسيج
عمال النسيج في دمشق، طرحوا مطالب عديدة، منها: ما يتصل بعمال المهنة بصورة مباشرة ومنها ما يتعلق بالوضع المعيشي للطبقة العاملة ككل، إذ تميز من بين المؤتمرات الأخرى بوفرة المطالب العمالية وجرأتها، وفي مقدمتها زيادة الأجور مبدئياً 100% وتخفيض سعر المازوت، ورفض دمج الشركات باعتباره خطراً على القطاع العام، إضافة إلى رفض التشاركية جملةً وتفصيلاً، وضرورة تبني اتحاد العمال لحق الاضراب المنصوص عنه في الدستور السوري، كما ارتفعت مطالب بضرورة مراجعة واقع الحركة النقابية، انطلاقاً من القواعد باتجاه الأعلى، وتعديل قانون التنظيم النقابي بما يخدم العمال، إضافة إلى إيجاد الآلية الفعالة والمجدية للوصول إلى عمال القطاع الخاص، وضمهم إلى التنظيم النقابي، سواء في القطاع المنظم، أو غير المنظم، وأن يتم تمثيلهم ضمن مكتب النقابة، وفق حجمهم الحقيقي، مع إعطاء اللجان النقابية صلاحيات أعلى ولا سيما في القطاع الخاص.
لا تلقوا مطالبنا على كاهل الأزمة!
طالب عمال الشركة السورية للألبسة الجاهزة، بحقهم في نسبة من الأرباح التي تحققها شركتهم، وبالحد من الإجراءات الروتينية الطويلة التي ترافق أية مسابقة لتعيين العمال، مع العلم أن الشركة بأمس الحاجة لملء الفراغ الحاصل فيها، والذي يكبدها خسائر كبيرة. في حين طالب عمال الخماسية بالضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات فورية لتخفيف معاناة العمال في تأمين لقمة العيش، وأصر عمال شركة الدبس على ألا يتم تدوير مطالبهم، أو إلقائها على الأزمة كما يجري عادة، مع التأكيد على النقص الحاد والمستمر في الأيدي العاملة، وعزوف العمال عن التقدم إلى المسابقات التي تجريها، نظراً لتدني مستوى الأجور بشكل كبير، مقارنة بالقطاع الخاص، مما تسبب في فجوة تزيد على 300 عامل، بين الواقع الفعلي والمخطط. كما طالب عمال شركة الشرق للألبسة الداخلية، بإيجاد حل لارتفاع أسعار الغزول بالنسبة للقطاع الحكومي، مقارنة بالقطاع الخاص، وعدم قدرة الحكومي على المنافسة.
أوجاع الصحة!
بدورهم طالب ممثلو العمال في قطاع الصحة، بقضايا عديدة، غاب عنها الوضع المعيشي، وارتبطت بمعظمها بشؤون متواضعة كرفع قيمة الوجبة الغذائية ومنح الهندام واللباس العمالي، ورفع قيمة التعويض العائلي.
الكهرباء ترفض التشاركية!
تشابهت المطالب التي قدمها المداخلون في مؤتمر الكهرباء، مع مطالب قطاع الصحة، لكنها كانت أكثر صراحة في رفض السياسات الليبرالية التي تنتهجها الحكومة، إذ تعالت الأصوات المطالبة بأن تكون إعادة الإعمار عبر دعم القطاع العام، وليس عبر نهج التشاركية، الذي ما هو إلا مقدمة لسحب البساط من تحت القطاع الحكومي، وتسليم مقاليد الاقتصاد الوطني إلى القطاع الخاص، وأصر ممثلو العمال على تعديل قانون العاملين الأساسي، وقانون التأمينات الاجتماعية، إلى جانب تثبيت العمال المؤقتين، وتعديل نظام الحوافز، وإلغاء المادة 137 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة، وكذلك المواد 64 و65 من القانون 17 وهي المواد المتعلقة بالتسريح التعسفي.
لا للتسويف!
برزت المداخلات المتعلقة بأهمية التوقف عن تسويف المطالب العمالية تحت مسمى «قيد الدراسة»، وبحق العمال في الذهاب إلى المادة 44 من الدستور السوري، وهي المادة التي تجيز لهم الإضراب لانتزاع حقوقهم المشروعة من أرباب العمل، ذلك الحق الذي ترفض النقابات تبنيه، رغم مشروعيته وأهميته كسلاح قوي في يد الطبقة العاملة.
أما مطالب العمال المتعلقة بالمهنة، فتمثلت بالتوسط لدى وزارة الكهرباء لتشميل عمال تركيب العدادات بالمهن الشاقة والخطرة، ومنح تعويض طبيعة الاختصاص لخريجي الثانويات الصناعية، إلى جانب إعادة النظر بفرق الأجور بين المعاهد المتوسطة، وبين الفئة الأولى والذي يبلغ 10 آلاف ليرة، وضرورة تعويض مخاطر العمل للعامل المؤقت، مثل العامل الدائم، إضافة إلى منح العمال ترفيعة سنوية، والمطالبة بتثبيت العمال المؤقتين مع الإشارة إلى أنه مطلب يتكرر كل مؤتمر.
المعدنية «صوت خجول»؟
مؤتمر عمال الصناعات المعدنية، لم يحمل مطالب عمالية حقيقية، وجرى إغفال القضايا المعيشية الملحة لصالح مطالب متواضعة، لم ترتق لتعبر عن حال الطبقة العاملة، كما غاب فيها صوت عمال القطاع الخاص، واقتصر القطاع الحكومي على المطالبة برفع قيمة الوجبة الغذائية، والإحالة والنظارات الطبية، وإيجاد مؤسسة استهلاكية تخص عمال الصناعات المعدنية، إضافة إلى تفعيل الكشف الدوري على الأمراض الخطرة والذي توقف منذ سنوات، كما دعا العمال إلى زيادة قيمة تعويض المعيشة وطبيعة العمل، وفتح باب التعيين لسد النقص الحاصل في الشركات الحكومية المختلفة.
وطالب عمال سيرونكس بدعم شركتهم، التي تعاني من العقوبات الاقتصادية، وتواجه منافسة شرسة، سواء من قبل القطاع الخاص، أو الأجهزة المهربة، مع التنويه إلى لزوم إعادة النظر في نظام الحوافز المتبع في الشركة.
ولفت عمال شركة الإنشاءات المعدنية، إلى ضرورة تشميلهم بالمهن الخطرة، وتحديث المواصلات العمالية التابعة للشركة، في حين طالب عمال بردى بضخ أيدي عاملة جديدة للشركة التي فقدت الكثير من الخبرات، خلال سنوات الأزمة.
لا بد من التغيير!
رغم أهمية المؤتمرات النقابية العمالية كحدث سنوي يفترض أن يوصل صوت العمال إلى الحكومة الصماء، فإنها حتى الآن لم تعبر عن واقع الطبقة العاملة التي تفشى الفقر بين صفوفها إلا فيما ندر، حيث جرى لجم الحركة العمالية وتدجينها إلى حدٍ بعيدٍ كي تتلاءم مع متطلبات الاقتصاد الليبرالي الجشع، وتحويلها إلى أداة طيعة تلين أمام جبروت السياسات الرأسمالية الصريحة، فالطبقة العاملة اليوم، كما جاء في إحدى المداخلات لم تعد تشمل فئة «ذوي الدخل المحدود» بل باتت تقتصر على «ذوي الدخل المعدوم».