الهوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات السوق؟
شهدت العاصمة السودانية الخرطوم منذ أيام خلت، ندوة قومية حول آليات الموائمة بين مخرجات التعليم والتدريب التقني والمهني، والاحتياجات الفعلية لسوق العمل في الدول العربية، تلك المواءمة التي باتت ضرورةً ملحةً مع اتساع الهوة بين كفاءات المهنيين والفنيين من جهة، وبين ما يحتاجه السوق من قوة عمل من جهة أخرى، وذلك لأسباب لا تخفى على أحد، وأبرزها: السياسات الاقتصادية التي تتجه نحو القطاع الريعي على حساب الإنتاجي، إلى جانب غياب الدراسات الهادفة إلى تطوير التعليم المهني بما يتلاءم مع حاجات السوق، وغلبة الجوانب النظرية البحتة على الجوانب التطبيقية في التعليم المهني.. وبالطبع فإن سوق العمل السوري ليست بمنأى عن هذه الظاهرة، بل هي إن جاز التعبير مثال جلي عنها.
ملامح سوق العمل السوري
بداية، لا بد من توضيحٍ لواقع سوق العمل في سورية، فالقوة العاملة _ التي تعرف بأنها: مجموع السكان النشطين اقتصادياً، أي: من يقدّمون عرض العمل سواء أكانوا يملكون عملاً أو يبحثون عنه_ بلغت نحو 500ألف طبقاً لإحصائيات عام 2002 ، مع معدل نمو مرتفع يزيد عن 4% سنوياً أي: ما يقارب 300 ألف شخص كل عام.
ومع ذلك فإن «معدل النشاط الاقتصادي الخام» أي: نسبة قوة العمل إلى مجموع السكان يعد منخفضاً مقارنة بالدول الأخرى لسببين، أولهما: ارتفاع نسبة الأطفال في المجتمع السوري، والثاني: ضعف مشاركة الإناث في قوة العمل، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل الإعالة، وينعكس سلباً على حصة الفرد من الناتج المحلي ومستوى معيشته أيضاً. ورغم انخفاض معدل النشاط الاقتصادي الخام للأسباب المذكورة آنفا، فإنه يزداد باضطراد في الآونة الأخيرة.
وأبرز ما يميز بنية الاقتصاد الوطني في سورية، هي: سيطرة القطاعات التقليدية وانتشار نمط الاقتصاد الريعي، إلى جانب أن المنشآت الصناعية القائمة هي في أغلبها منشآت صغيرة، تُشغّل عدداً ضئيلاً فقط من العمال.
واقع التعليم في سوق العمل
تشير الإحصاءات إلى تحسن كبير في التوزيع التعليمي للقوة العاملة السورية، فبعد أن كان الأميون يمثلون حوالي نصف القوة العاملة في عام 1970 انخفضت نسبتهم إلى 16,5% عام 1994، مقابل ارتفاع نسبة حملة الشهادات الجامعية من 1,6% إلى 5,7%، مع الإشارة إلى أن التطور الحاصل في المستوى التعليمي للقوة العاملة المؤنثة، كان أوضح منه لدى القوة العاملة المذكرة.
ويلاحظ في سوق العمل السورية أيضاً: أن مساعدي الفنيين والاختصاصيين من حملة الشهادات المتوسطة قليلون نسبياً، إذ تساوي أعدادهم تقريباً أعداد الاختصاصيين والفنيين، بينما تفترض ظروف الإنتاج الحديثة أن يكون لكل اختصاصي ثلاثة مساعدين على أقل تقدير.
خلل واضح
يظهر الخلل في البنية التعليمية للقوة العاملة بأوضح صوره في القطاع الخاص غير المنظم، إذ ترتفع فيه نسبة الأميين وذوي التعليم المنخفض، قياساً إلى نسبة حملة شهادات المعاهد المتوسطة والجامعية، ويرجع الخلل إلى سوء آلية التشغيل في هذا القطاع، بسبب ميل أصحاب المنشآت الخاصة إلى تشغيل العمال بأجور منخفضة، وعدم اقتناعهم بجدوى تشغيل ذوي الكفاءات الفنية، إلى جانب طبيعة العمل في هذا القطاع، والتي تجعل كثيرين يفترضون أنه ليس بحاجة إلى إعداد مهني كبير.
وتؤكد إحدى الدراسات الاقتصادية: أن نسبة البطالة المشاهدة في فئة حملة الشهادات الجامعية تثير الشكوك حول مناهج التعليم، ومدى ارتباطها بسوق العمل، ويرجع ضيق فرص العمل بالنسبة لخريجي الجامعات وخريجي التعليم المهني والفني لسببين، أولهما: ضعف المناهج التعليمية وعدم ارتباطها بسوق العمل، وثانيهما: ضعف بنية المنشآت الإنتاجية عموماً ولا سيما في القطاع الخاص، إذ يتسبب انخفاض مستوى التقنيات المستخدمة في المنشآت الإنتاجية في ارتفاع الطلب على العمالة غير المدربة الرخيصة، قياساً بالعمالة الخبيرة ذات التعليم العالي والأجور المرتفعة.
ويترافق هذا مع توجه الغالبية العظمى نحو مجالات لا ترتبط باحتياجات سوق العمل، ما يستدعي تدعيم التكامل بين الدراسات النظرية والدراسات العملية التطبيقية، ووضع سياسة تعليمية تفتح آفاق التفاعل الكامل، بين العمل والابتكار، بما يسهم في دفع عجلة الإنتاج وتلبية احتياجات سوق العمل.
توقعات مقلقة!
نتيجة لذلك تتوقع الدراسة ازدياداً في حدة البطالة بين خريجي المعاهد المتوسطة والجامعات، بالتزامن مع تراجع معدلات التشغيل في القطاع العام، بسبب عدم استثماره وتطويره، إلى جانب ضعف تشغيل القطاع الخاص لهاتين الفئتين من القوة العاملة.
وقد أظهرت نتائج مسح القوة العاملة التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء عام 2002 ، أن نحو 35% من خريجي الجامعات يعملون في مجالات لا تنسجم مع اختصاصاتهم الفعلية، ولك أن تتخيل كم ارتفعت هذه النسبة خلال سنوات الأزمة، وما قادت إليه من تدمير أو تعثر معظم المنشآت الصناعية على أقل تقدير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 837