الحركة العمالية وميزان القوى العالمي
هل يؤثر التغير في موازين القوى العالمية على تطور الحركة العمالية والنقابية، من وجهة النظر العامة والخاصة للحراك العمالي؟.
للجواب عن هذا التساؤل الملح، علينا إجراء مقارنة صغيرة لنشاط الحركة العمالية في سورية، بين مرحلتين: خلال عامي 1933 – 1934 أولاً، وبين أعوام 2014 – 2017 ثانياً، والمقارنة تستند في جوهرها إلى موازين القوى التي كانت سائدة في كل مرحلة من المراحل، والتي عكست نفسها على مجمل العمل الوطني، وليس العمالي فقط، حيث كان في فترة الثلاثينات مد وطني كبير في مواجهة الاستعمار الفرنسي وأدواته كلها التي استقدمها، أو التي أوجدها، بما فيها الشركات والمؤسسات التي عمل فيها العمال السوريون وشكلوا نواتهم العمالية والنقابية، التي قادت النضال العمالي المختلف، وفي المراكز الانتاجية والخدمية كافة، بينما المرحلة الثانية، هي: المرحلة التي لعبت فيها السياسات الاقتصادية الليبرالية دوراً أساسياً في تخفيض الأجور الحقيقية للعمال، وما رافقها من إجراءات وسلوك في مصادرة دور الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها الاقتصادية وحرياتها الديمقراطية النقابية، حيث يشهد العالم أيضاً تغيراً في موازين القوى، الأمر الذي يجعل النضال العمالي على المستوى العالمي متصاعداً، وكذلك الأمر في منطقتنا التي تبنت فيها الأنظمة، الليبرالية الاقتصادية.
تعطينا الأرقام الواردة في المقارنة جواباً لذلك.
تزامنت المرحلة الأولى في ارتفاع منسوب الاضطهاد والاستغلال الرأسمالي والاستعماري، بينما تزامنت المرحلة الثانية بتعميم تبني السياسات الليبرالية المتوحشة من جهة، ومن جهة أخرى الحصار المفروض على الشعب السوري، وآثار الحصار والحرب على الطبقة العاملة السورية.
إن ازدياد الاستثمار الرأسمالي للطبقة العاملة يؤدي موضوعياً إلى بدء تحرك العمال دفاعاً عن مصالحهم «التناقض بين العمل ورأس المال»، وكلما ارتفع مستوى هذا الاستثمار والاستغلال ارتفعت معه مستويات التحركات العمالية.
45 تحركاً خلال سنتين
كان مستوى الحركة العمالية في سورية بين عامي 1912 – 1932 يتصاعد ببطء وثبات، ولكن في هذه الفترة بالضبط تأسست التنظيمات النقابية المختلفة ودخل العمال مرحلة النضال المفتوح في التوازي مع تصاعد الحركة العمالية عالمياً، وتحقيقها الانتصارات المتلاحقة. بدأ هذا التصاعد يتسارع منذ 1932.
حسب جريدة «الأومانيتيه» الفرنسية، ومجلة «الشرق الثوري» السوفييتية، حدث 45 إضراباً عن العمل ومظاهرة للعمال عامي 1933 – 1934 شارك في تلك التحركات 50 ألفاً من عمال الكهرباء والتبغ والجلود والطباعة والنسيج والأحذية وغيرهم، إضافة إلى 16 ألف سائق، وشملت التحركات دمشق وحمص وحلب وبيروت وطرابلس واللاذقية وغيرها. وبلغ التصاعد ذروته منتصف الخمسينات.
77 تحركاً خلال أربع سنوات
وثقت جريدة قاسيون لـ 28 إضراباً واعتصاماً للطبقة العاملة السورية، بين عامي 2014 – 2017 شارك فيها آلاف العمال والموظفين، وانتصروا في أكثر تحركاتهم المطلبية، كما وثقت الجريدة لـ 43 إضراباً خلال أربع سنوات 2014 – 2017 شارك فيها الآلاف من سائقي باصات السرافيس الصغيرة، وسيارات التكسي والشاحنات. إضافة إلى 6 إضرابات للعمال السوريين في بلدان اللجوء. وكان المجموع: 77 تحركاً خلال أربع سنوات.
آفاق الحركة العمالية؟
كما تتشابه المرحلتان من حيث الأرقام رغم أن التاريخ لا يعيد نفسه، 45 تحركاً خلال عامي 1933-1934، و76 تحركاً بين أعوام 2014-2017، يكمن ملاحظة التشابه بتغير موازين القوى عالمياً لصالح الطبقة العاملة من جهة، ومن جهة أخرى تزايد الهجوم الرأسمالي على حقوق العمال والمنهوبين عالمياً وسورياً.
إن المرحلة الحالية، تشهد صعوداً بالتزامن مع تغير موازين القوى العالمية لصالح الطبقة العاملة في سورية والعالم، وسيدفع ذلك الحركة العمالية السورية لمرحلة نضالية جديدة، أساسها الحركة الإضرابية دفاعاً عن حقوقها في زيادة الأجور. بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، ومنع التسريح التعسفي من العمل، ومن أجل حق عمال القطاع الخاص بقانون عمل ينصفهم، وتوزيع عادل لحوافز عمال القطاع العام، وغيرها من المطالب التي تشكل إحدى جبهات مواجهة النهب والليبرالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 837