مطالب على الرفوف!
عشرات المطالب العمالية تجد طريقها إلى أروقة الاتحاد العام لنقابات العمال كل ثلاثة أشهر، وتطرح على مسامع الحكومة وممثليها، ثم ما تلبث أن ترمى على الرفوف بعد تأجيلها باتباع سياسة التسويف والوعود التي دأبت عليها الحكومة، ليصار إلى إعادة طرحها بعد أشهر في انتظار وعود جديدة، تعمل كإبرة «بنج» تستخدم في كل مرة لتخدير العمال وتضييع حقوقهم ريثما يستكمل الناهبون سياساتهم الرأسمالية.
مفارقات الاستيراد والتصدير
تتجلى هذه السياسات في أقبح صورها حين يتعلق الأمر بقضايا الاستيراد، الذي يحول الأسواق السورية إلى منفذ لتصريف المُنتَج الخارجي المستورد في حين تتكدس المنتجات المحلية في مخازن القطاع الحكومي، وهو ما أشار إليه ممثلو العمال مراراً في المجلس الفائت، كما هي الحال مع الأقمشة كمادة أولية تخضع للمرسوم رقم 172 لعام 2017 والخاص بتخفيض الرسوم الجمركية على استيرادها، في حين تتكدس مخازين عالية منها في مؤسسة النسيج، وتصل قيمتها إلى 18.5 مليار ليرة سورية كما يؤكد أحد النقابيين، أضف إلى ذلك أن ثمة العشرات من معامل الألبسة الموجودة في حلب ودمشق، والمعرضة للتوقف عن العمل وتسريح مئات من العمال بفعل فتح الأسواق المحلية أمام المنتج الخارجي، وبالتالي: فلا شك أن هذا القرار يخدم التجار فقط ويضرب مصلحة القطاعين الحكومي والخاص عرض الحائط.
أمر مشابه حصل في صناعة تكرير السكر، فبعد أن كان مفقوداً في الأسواق المحلية، تم توقيع عقد لتكرير 25 ألف طن من السكر الأحمر في حمص، لكن ذلك تزامن مع السماح للقطاع الخاص باستيراد السكر الأبيض، والنتيجة تكدس السكر المكرر محلياً بأكمله، ليعيد ممثلو العمال طرح السؤال ذاته: من المستفيد من دعم الاستيراد وتسهيله على حساب مُنتجنا الوطني؟
وفي المقابل: لقد تم توقيع عقود لتصدير 30 ألف طن من الخضراوات المحلية إلى الخارج على خلفية معرض دمشق الدولي: وهو ما سينجم عنه ولا شك مزيد من ارتفاع أسعارها في الأسواق السورية.
والبيروقراطية القاتلة!
تكررت المداخلات التي تطرقت إلى بيروقراطية العمل في المنشآت الحكومية وما تسببه من هدر للمال العام، وتضييع لحقوق العمال، كما حصل في منشأة دواجن طرطوس، إذ تم الإعلان عن مسابقة للعمال الذكور من الفئتين الرابعة والخامسة بعقود سنوية، وقد اتخذ القرار في 15/6 ، ووصل مكتب التشغيل في المحافظة بتاريخ 19 \ 6، ثم تم إرساله بالفاكس إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي لم تعلن عن المسابقة حتى تاريخ 19/7 والسؤال: إذا كان الإعلان في طرطوس فما الغاية من تبليغ مكاتب العمل في المحافظات الأخرى ضمن إجراء روتيني للغاية، يبدد الكثير من الوقت، والمفارقة أنه وبعد ذلك كله قام الجهاز المركزي للرقابة المالية بطي القرار وتوقفت المسابقة، وذهبت جهود المتقدمين وآمالهم أدراج الرياح.
مطالب لا تحتمل التأجيل
لا يخفى على أحد أن المطلب الأكثر إلحاحاً في المجلس الفائت كما المجالس السابقة هو: النظر في الوضع المعيشي للعمال، والأجور التي لم تعد تطاق، وضرورة إعادة النظر في سعر قوة العمل باعتبارها السلعة الأكثر أهمية في العملية الإنتاجية، فحتى اليوم ورغم ما وصل إليه طغيان الأسعار ما يزال ثمة مياومين يتقاضون 15 ألف ليرة شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي فعلياً إلا أجور المواصلات من وإلى العمل.
وقد قادت هذه الأجور المنخفضة إلى ترك العديد من العمال لمنشآتهم مكرهين والبحث عن مصدر دخلٍ آخر يسد رمق أسرهم، وهو ما ترافق مع عزوف الكثيرين عن التقدم للمسابقات التي تجريها الحكومة لتوظيف العمال بعقود شهرية أو سنوية في شركاتها، فما الجدوى من طرح أجور تعادل في أحسن الأحوال ثلث ما يدفعه العمال المهجرون كأجور لمنازلهم؟
لا حياة لمن تنادي!
عشرات الملفات طرحت منذ أيام أمام الحكومة، حاملة هموم الطبقة الأكثر فقراً في البلاد، ومعظمها شجون راسخة في وجدان الطبقة العاملة منها على سبيل المثال لا الحصر: إعادة دراسة ملفات المصروفين من الخدمة ومكفوفي اليد والمعتبرين بحكم المستقيل، وتثبيت العمال المؤقتين الذين مضى على بعضهم عشرات السنين، وحماية مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتوظيف أموالها لصالح العمال، وتحسين واقع المعامل عبر اتخاذ إجراءات من شأنها إعادة تشغيل ما توقف منها، وتطوير ما تراجع إنتاجه، وبناء ما تم هدمه بفعل الحرب. هي مطالب كثيرة يجمعها أمران، أولهما: أنها محقة ولا سبيل للتفريط بها، وثانيهما: أنها ما عادت تحتمل التأجيل، فهل تستفيق الحكومة؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 832