الإضرابات العمالية في مصر .. شكلها مطلبي ومضمونها سياسي
تمكنت السياسات الاقتصادية الليبرالية عبر ثلاثة عقود أو أكثر من تصفية القطاع العام بشركاته المختلفة، بما فيها الشركات التي لها طابع استراتيجي كما هو حال مجمع الحديد والصلب، والصناعة البتروكيميائيات، وصناعة الغزل والنسيج ، وتحويلها من ملكيه عامة إلى ملكية خاصة، يقوم باستثمارها رأسمال خليجي ودولي ومحلي، وفقاً لشروطه التي تمكن من فرضها بما فيها اليد العاملة وحقوقها، حيث جرى تسريح ألاف العمال وفقاً لقانون التقاعد المبكر، الذي تم بموجبه رمي آلاف العمال إلى الشارع، مما رفع نسب البطالة والفقر والتهميش، ودفع المزيد من الفقراء إلى السكن في المقابر والشوارع.
تلاقي المصالح
الخلاص من القطاع العام وفقاً لبرامج وتوجهات الحكومات التي غزتها الليبرالية، وعلى أساس نصائح المراكز المالية الإمبريالية، بما فيها صندوق النقد والبنك الدوليين، هو توجه أصيل يعبر عن تلاقي مصالح القوى الرأسمالية في المراكز والأطراف، الذي جوهره التحكم والسيطرة المطلقة على الثروات، وزيادة مركزتها وتجريد أصحابها المنتجين الحقيقيين لها من أن تكون لصالحهم، ومن أجل مصالحهم، وهذا الواقع بدأ ينسحب ليس على الدول الطرفية فقط بل أصاب المراكز الرأسمالية المتبنية للسياسات الليبرالية حيث انتهى عهد الرفاه الاجتماعي الذي كانت الحكومات الإمبريالية ترشي به شعوبها من خيرات الشعوب الأخرى المتحكم باقتصادياتها، في ظل موازين قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي اضطرت فيها تلك الحكومات إلى تقديم تنازلات للطبقة العاملة تحت شعار كبير أسمه الرفاه الاجتماعي، الذي سقط مع التحولات الجارية في بنية الاقتصاد الرأسمالي، نتيجة الأزمة الرأسمالية التي أصابت الاقتصاد الحقيقي بالصميم، وأفقدت الطبقة العاملة جزءاً مهماً من حقوقها التي خاضت من أجلها المعارك.
الاقتصادي الاجتماعي في الحراك العمالي
وبالعودة إلى مصر «البهيه» التي جرت فيها أكبر عملية بيع للقطاع العام بأبخس الأسعار، والتي تضافرت عوامل كثيرة مكنت من عملية البيع والخلاص من شركات القطاع العام، يأتي في مقدمتها التراجع الحاصل في ميزان القوى العالمي لصالح المراكز الإمبريالية، الذي أمدَّ القوى المحلية بأسباب القوة والدعم الكبيرين، والذي عكس نفسه بالتالي على ميزان القوى المحلي المختل لصالح القوى الرأسمالية، والذي تمثل بتجريد الطبقة العاملة من أسلحتها الأساسية، التي تمكنها من الدفاع عن حقوقها ومصالحها، وفي التحرك والمواجهة، ولكن الذي جرى أنه تمت مصادرة دور التنظيم النقابي المفترض أن يكون مستقلاً معبراً عن مصلحة أغلبية الشعب المصري، الذي طحن بسبب تلك السياسات، ومُنِع عنه حق الإضراب والتظاهر، كأحد أشكال التعبير والدفاع عن المصالح، في الوقت الذي تمكنت القوى الرأسمالية من الحصول على كامل حريتها في فرض شروطها، استناداً للدعم الحقوقي والقانوني والأمني في مواجهة الطبقة العاملة المصرية.
الطبقة العاملة
تعيد تنظيم نفسها
الطبقة العاملة المصرية وقواها الحية استطاعت أن تعيد تنظيم نفسها، وأن تصوغ مواقفها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، وتمكنوا من فرض حالتهم على المشهد السياسي الوطني المصري، دون الخضوع لأية من القوى السياسية التي تحاول ركوب موجة الاحتجاجات العمالية، كما حدث في إضرابات عمال النسيج في المحلة الكبرى التي أعلنت إضراباً واسعاً شارك فيه قرابة ال16 الف عامل استمر لأسبوعين تقريباً، ودخلت القيادات النقابية بمفاوضات صعبة وشاقة مع إدارة الشركة القابضة للنسيج، أفضت إلى القبول بمطالب العمال المضربين.
المحلة الكبرى نقطة تحول
الإضرابات العمالية المصرية التي قادها عمال المحلة الكبرى شكلت نقطة تحول في الحركة العمالية المصرية، حيث تبعتها إضرابات أخرى لمواقع انتاجية مثل الترسانة البحرية، والاتصالات، ومعمل الإسمنت، خلقت واقعاً جديداً من حيث الشعارات والتوجهات، وصياغة المواقف، فهي لم تعد مقتصرة فقط على الجوانب المطلبية كزيادة الأجور وضرورة عودة العمال المفصولين، بل تعدت شعاراتها ومطالبها هذه القضايا مع أهميتها في سياق نضالها العام من أجل تحسين مستوى معيشتها التي تدنت بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني
فعالية دور الطبقة العاملة من خلال امتلاكها لأدواتها الكفاحية، وفي مقدمتها حق الإضراب، دفع الحكومة باتجاه التفاوض المباشر مع العمال وممثليهم، من أجل تنفيذ مطالبهم التي شكلها الظاهر هو مطلبي، ولكن بالعمق، هو سياسي في مواجهة السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تمثلها مجموعة الشركات القابضة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825