التأمينات الاجتماعية وعمّال القطاع الخاص

التأمينات الاجتماعية وعمّال القطاع الخاص

تهدف التأمينات الاجتماعية في كل البلدان إلى تعويض المؤمّن عليه أو أسرته بحسب الأحوال، عن الخسارة التي يتعرّض لها والمتمثلة في فقده الدخل نتيجة تحقّق أحد المخاطر المؤمّن ضدّها والتي تتمثل في (بلوغ سن التقاعد – العجز – الوفاة – الإصابة – المرض) .

أهداف ومخاطر
وهذه الأخطار تؤدّي إلى انقطاع الدخل، وهنا تتدخّل التأمينات الاجتماعية لتعويض المؤمّن عليه أو أسرته (في حالة الوفاة). والتعويض الذى تقدّمه التأمينات الاجتماعية يتمثل إما في تعويض نقدي أو تعويض عيني، والتعويض النقدي يتمثل بصفة أساسية في (المعاش - تعويض الدفعة الواحدة – المكافأة - تعويض الأجر في حالة المرض والإصابة ..إلخ). أما التعويض العيني فيتمثل في العلاج والرعاية الطبية، في حالة تحقق خطر المرض أو خطر إصابة العمل.
تلكم هي الأهداف التي تبغيها التأمينات الاجتماعية .
تطبيقات غير شامله على العمال
وقد صدر قانون التأمينات الاجتماعية في سورية عام 1959 وهو من أقدم وأفضل القوانين في المنطقة. ومن المفيد التذكير بأنواع التأمين: (تأمين إصابات العمل مقداره 3% من أجور العمال ويدفعها صاحب العمل شهرياً. تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، وهذه تدفع على شكل حصتين: حصة يدفعها العامل 7%، وأخرى يدفعها صاحب العمل 14%).
إن التأمين وتشميل العمال بالمظلة التأمينية إلزامي وفق أحكام القانون 91 لعام 1959 وهذا الأمر لا يجوز مخالفته، وبالنسبة للقطاع العام: لا توجد مشكلة في تطبيقه، فالعمال كافةً في القطاع العام والمشترك مؤمّن عليهم ومسجّلون لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية. أما بالنسبة للقطاع الخاص: فالكثير من العمال الذين تنطبق عليهم صفة العامل وفق أحكام القانون، غير مشمولين بالمظلة التأمينية.
تهرب مستمر يضر بالعمال!
إن الكثير من أصحاب الأعمال لا يلتزمون بتسجيل عمالهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وهذا يحرم العامل وصاحب العمل من المزايا التأمينية، فتعمد المؤسسة إلى إرسال مفتشين لمواقع العمل من أجل تسجيل العمال لدى المؤسسة. وهناك تظهر الصعوبات؛ كأن يقوم صاحب العمل بتهريب عمّاله، أو بتخفيض الأجور التي يتقاضونها، وتغيير تاريخ الالتحاق بالعمل، وتزوير عدد العمال.. والمشهد الأكثر إيلاماً عندما يتناغم العمال مع ربّ عملهم بإفاداتهم فيقولون عكس ما يتمنّون كي لا يغضب منهم صاحب العمل، فيعرّضون أنفسهم لخطر الطرد من العمل . ‏
من المتفق عليه لدى أرباب العمل أن نظام التأمين غير مشجّع بالنسبة لهم؛ إذ أنهم يعتبرون أن الاشتراكات عن كل عامل كبيرة ومرهقة وهي (14 % ونسبة إصابة 3 % والمجموع 17 %)‏.
علماً أن النسبة التي تفرضها التـأمينات، هي ضمن الحدود المعقولة؛ فسورية من بين الدول العشر الأقل في نسبة التأمين المفروضة (سورية 24%، مصر33 %، ليبيا40%، الكويت 25%، فرنسا 49%، رومانيا 55%..الخ)
ولعلّ إحدى المشاكل التي يعاني منها الكثير من العمال والحرفيين والمهنيين الذين هم بذات الوقت (عمّال وأصحاب عمل): الخياط – الحلاّق – المعمرجي – عامل صيانة الموبايلات – بائع سمانة.. إلخ. وهؤلاء يبلغ عددهم مئات الآلاف في سورية. والحقيقة أنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد العمال غير المسجلين في التأمينات. وهناك بعض الدراسات تقول بأن: النسبة تتعدّى بكثير الـ 50% من عدد العاملين في القطاع الخاص.
والسؤال: هل يدفع هؤلاء إلى التأمينات ضمن ما يُسمّى (التأمين الشخصي) الرسوم المتوجّبة والتي تبلغ حوالي ربع دخلهم؟!
لا شكّ في أنها نسبة كبيرة إذا ما قُورِنَت بالحدّ الأدنى لمستوى المعيشة، في ظلّ الانخفاض الشديد لقيمة الليرة. كما أن عدداً كبيراً من عمّال القطاع الخاص يفتقرون إلى الوعي التأميني، ومنهم من لا يعرف عنه شيئاً! وأمام ضغط الحاجة قد لا يستطيعون أصلاً التفكير بما يمكن أن تقدّمه لهم التأمينات من مزايا وخدمات. ولعلّ الثغرة الكبرى فيما يتعلق بالتأمين الشخصي أنها لا تشمل إصابات العمل والأمراض المهنية، بل فقط معاش الشيخوخة. وهذا الخلل يجب تداركه سريعاً، إذ أن أغلبية العمال في هذه المهن يتعرّضون بسبب مخاطر المهنة إلى الإصابات والأمراض. ومن غير المنطقي وغير الأخلاقي أن يُحرَموا من ميزات التأمين الشامل.
قاسيون تستطلع
ولدى قيام «قاسيون» باستبيان عددٍ من العمال والعاملات حول هذا الموضوع كانت الأجوبة الصادمة التالية:
هدى. م - (تعمل في خدمة المنازل): لقد قارب عمري الخمسين عاماً. وبدأت قواي تخور، ولم أعد بالنشاط ذاتهِ الذي كنت عليهِ قبل عشر سنوات. وبعض ربّات البيوت بدأن بالاستغناء عني. زوجي متوفي ولديّ خمسة أولاد ونسكن بالإيجار. وأخشى أن أصل إلى مرحلة أتوقّف خلالها عن العمل. بصراحة، لم يخطر على بالي في يومٍ من الأيام فكرة التسجيل بالتأمينات التي لا أعرف عنها شيئاً!
محمد. ق – (سائق تكسي أجرة): صدّقني يا أستاذ كنت أعتقد بأن التأمينات الاجتماعية تشمل فقط العاملين في الدولة. ولا أعرف فيما إذا كان يحقّ لي التسجيل فيها! وأردف قائلاً: يا ليت لو يتم تخصيص برامج إذاعية وتلفزيونية، وتشكيل لجان تطوّعية تدور في الأحياء، تشرح فوائد الاشتراك بالتأمينات لتحفيز الناس على ذلك.
عبد الله. م – (كهربجي): منذ مدة تعرّضتُ للصعق بالكهرباء وبقيتُ ملازماً فراشي قرابة الثلاثة أشهر، لم يدخل خلالها جيبي «ملّيم» واحد. ولولا مساعدة أشقّائي لي لكنت في خبر كان.. حبّذا لو تهتم الحكومة بهذا الموضوع وتلزم المواطنين العاملين كافةً الاشتراك بالتأمينات. وأضاف مازحاً: إذا أردتَ الاشتراك بهاتف جديد لمنزلك، يشترطون عليك إبراز براءة ذمة من مؤسّسَتي الكهرباء والمياه، طيّب لماذا لا يطالبوننا مثلاً بوثيقة تثبت أننا مسجّلون بالتأمينات؟
سليم. ح – (مزارع): لا تزعل منّي، إذا كانت الدولة قاصرة وعاجزة، بل الأصحّ غير مهتمّة، لما يصيب الفلاح من أضرار نتيجة الكوارث الطبيعية في حال تعرّض موسمه لـ(عواصف ثلجية – سيول – احتباس مطري.. إلخ) «يا أخي ما بدنا تأمين على شيخوختنا – الله بيرزق – بس على الأقلّ ينظروا بأوضاعنا عند تعرّضنا للشدائد والمحن التي ذكرت!»

معلومات إضافية

العدد رقم:
823