رابحة.. فلا تخسروها
غزل الماغوط غزل الماغوط

رابحة.. فلا تخسروها

عند المدخل الجنوبي لمدينة دمشق تقبع الشركة العامة لصناعة الكابلات، واحدة من الشركات القليلة التي استطاعت الصمود ومواصلة الإنتاج خلال الأزمة، فرغم وقوعها في منطقة لطالما عرفت بسخونتها، وتعرضها إلى قذائف نالت جانباً من بنائها، وتسرب قسم كبير من عمالتها الخبيرة بفعل الحرب، إلى جانب التضييق والحصار الاقتصادي، فإنها تمكنت من الاستمرار في تغذية السوق المحلية والمؤسسات العسكرية بمختلف احتياجاتها من الكابلات والنواقل، ويعد العامل الرئيس الذي مكّنها من الصمود، هو إصرار العمال على مواصلة القدوم إلى الشركة، وتشغيل خطوط الإنتاج رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة.

عن الشركة
وتتبع الشركة للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية، وتنتج الكابلات الكهربائية النحاسية المعزولة بالبلاستيك، وكابلات التحكم والنوازل الهوائية للتلفزيون، وكابلات الهاتف والنواقل الكهربائية للتمديدات المنزلية والأمراس العارية لنقل التوتر العالي والمنخفض.. وأبرز زبائن الشركة مؤسستا توزيع ونقل الكهرباء، ومؤسسة الاتصالات، والعديد من شركات القطاع العام والخاص والسوق المحلية.
واقع الشركة
وتقدر أرباح الشركة خلال الربع الأول من هذا العام بنحو 462 مليون ليرة سورية، ورغم كونها شركة رابحة وآخذة في النمو إلا أنها تواجه صعوبات عدة في مقدمتها على صعيد الإنتاج، الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، والتي تتسبب بأعطال في أجهزة القيادة والأجهزة الإلكترونية، كما تتطلب الاعتماد على محركات الديزل، ما يزيد تكاليف الإنتاج، إضافة إلى صعوبة تأمين المواد الأولية، والقطع التبديلية من الأسواق الخارجية، بسبب العقوبات الاقتصادية، ما يفاقم أيضاً التكاليف اللازمة للإنتاج، بالتزامن مع صعوبة تأمين القطع الأجنبي، وارتفاع ديون الشركة على القطاع العام، ولا سيما مؤسسة الكهرباء، والتي فاقت ديونها 2 مليار ليرة سورية.
حال العمال
ويبلغ عدد العاملين في الشركة 445 ، ما بين عامل إنتاج وإداري وخدمات، بينهم 349 عاملاً دائماً، وعدد محدود من العمالة السنوية والموسمية، ولتغطية نقص العمال الذي واجهته الشركة بفعل ظروف الحرب، تم ندب عمال من شركات أخرى، أبرزها: الشركة الخماسية وشركة الزجاج وشركة المغازل وشركة بردى، وكان هؤلاء العمال البالغ عددهم 76 عاملاً بمثابة جرعة إسعافية للشركة، إذ اكتسبوا الخبرات اللازمة للعمل، وباتت على عاتقهم مسؤوليات كبيرة تجعل من غير الممكن التفريط فيهم وبالمهارات التي طوروها.
لكن المشكلة التي واجهها هؤلاء العمال هي القوانين التي لا تجيز ندب العامل أكثر من أربع سنوات فقط، يعاد بعد انتهائها إلى شركته الأم، أو يصدر قرار بنقله إلى الشركة التي ندب إليها، وفي المقابل: فإن النظام الداخلي للشركة ينص على عدم توظيف من لم يحصل على شهادة التعليم الأساسي «الإعدادية»، ولذلك يصبح من غير الممكن تعيين العمال المندوبين الذين لا يحقق معظمهم هذا الشرط.
وما بين قانون العمل والنظام الداخلي للشركة يواجه عشرات العمال المندوبين مصيراً لا يدركونه، إذ ليس في وسعهم بالطبع العودة إلى مقاعد الدراسة، ولا الرجوع إلى الشركات التي جاؤوا منها، والتي ما تزال متوقفة أو عاملة بحدودها الدنيا فقط، وليست في حاجة إلى عمالة تثقل كاهلها، وفي المقابل: فإن الشركة العامة للكابلات تبدي رغبتها في الاحتفاظ بهم، بدلاً من البحث عن عمال أخرين وتدريبهم مرة أخرى.
مطلب ملح
إعادة نظر في النظام الداخلي للشركة، أو في قانون العمل، والفترة التي يحددها للندب، يعد مطلباً أساسياً بالنسبة للعمال، ولا سيما أن ظروف الأزمة تستدعي تطوير القوانين القائمة، بدل التمسك بالعقلية السابقة، التي ما عادت تصلح في زمن الحرب، إذ ينبغي أن تكون القوانين سنداً للعمال ولمنشآت قطاع الدولة، لا عبئاً عليهم.
المعيشة ثم المعيشة
غلاء المعيشة وانحسار القدرة الشرائية للأجور، همّ مشترك يتقاسمه سائر العمال السوريين، ورغم أن المعطيات تشير إلى أن شركة الكابلات تحصد الأرباح خلافاً لكثير من الشركات التي تؤمن بالكاد أجور عمالها، إلّا أنّ الوضع المعيشي للعمال ليس أحسن حالاً، إذ لا يتعدى متوسط الأجور 25 ألف ليرة كما تؤكد اللجنة النقابية، أما العمال القدامى فتصل أجورهم إلى 35 ألف ليرة. فماذا تفعل هذه الأجور اليوم، وهي لا تكفي حتى الأسبوع الأول من الشهر، كما تؤكد الدراسات الاقتصادية؟
وما يزيد الطين بلة واقع السقوف المغلقة للرواتب والفئات، ما تسبب في وجود عشرات العمال ممن لم يستفيدوا من الزيادة الدورية، التي تمنح كل سنتين منذ أكثر من عقد، بسبب وصول رواتبهم إلى سقوفها، ما يستدعي بالضرورة إلغاء هذه السقوف، أو على الأقل رفعها بما يتناسب مع الوضع المعيشي اليوم، إلى جانب ضرورة إعادة النظر في التعويض العائلي، الذي لا يساوي شيئا هذه الأيام والأمر ذاته ينطبق على تعويض الاختصاص والحوافز، وكذلك بدل الوجبة الغذائية وهو 30 ليرة وهي لا تكفي الآن لشراء بيضة.
كي ننقذ قطاع الدولة؟!
علينا ألا ننسى أن العمال استمروا في المجيء إلى شركة الكابلات مخاطرين بأرواحهم، وعلى حسابهم في كثير من الأحيان، متمسكين بلقمة عيشهم وشركتهم، ما حال دون وصول النزاع المسلح إليها، وهو ما يجعل لزاماً على الشركة اليوم وقد استعادت جانباً من عافيتها أن تردَّ لعمالها بعضاً من عطاءاتهم، أو أن تنصفهم في الأجور على أقل تقدير.
إلى جانب ذلك ينبغي على الحكومة أن تمنح التسهيلات والإعفاءات التي من شأنها أن تعين الشركة على المضي قدماً ومنافسة القطاع الخاص بدلاً من إرهاقها بالإجراءات البيروقراطية، التي تستنزف الوقت والمال دون فائدة، وتعديل القوانين والأنظمة التي أكل الدهر عليها وشرب في أقرب وقت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
820