العمالة السورية في الأردن
غزل الماغوط غزل الماغوط

العمالة السورية في الأردن

صدر مؤخراً تقرير لمنظمة العمل الدولية عن العمالة في الأردن بشكل عام، وبالطبع لا يخفى على أحد العدد المتزايد من اللاجئين السوريين الوافدين إلى الأردن على امتداد السنوات الماضية، حيث يقدم التقرير بعض الحقائق حول واقع العمالة السورية، والاستغلال الذي تتعرض له، وهو ما سنحاول إيجازه في هذه المادة.

لمحة عن سوق العمل الأردني
بداية، لا بد لنا أن نفهم طبيعة سوق العمل الأردني، وما آل إليه خلال السنوات الماضية،، إذ بات يقسم إلى ثلاث شرائح أولاها: المواطنون الأردنيون، وثانيها: المهاجرون، وهم من قصدوا الأردن طوعاً بغية العمل وإرسال المال إلى عائلاتهم (وفي مقدمتهم المصريون)، واللاجئون: وهم الذين أجبروا على ترك بلادهم هرباً من الظروف التي تهدّد حياتهم، ومن المرجح أن يبقوا في الأردن فترة ليست بالقصيرة، وفي طليعتهم اللاجئون السوريون والذين يعانون من صعوبة الحصول على تراخيص عمل، ما يضطرهم كثيراً من الأحيان إلى العمل بصفة غير شرعية، فتغدو حقوقهم فريسة سهلة في أيدي أرباب العمل.
ويمكن القول: إن سوق العمل الأردني يتقاسمه بالتساوي تقريباً العمال الأردنيون من جهة، وغير الأردنيين من مهاجرين ولاجئين من جهة أخرى، وتتجلى المنافسة المباشرة بين الأردنيين وغير الأردنيين في قطاع الخدمات والمبيعات بالدرجة الأولى.
وتوضح دراسة أجراها البنك الدولي/ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: أن أبرز تأثيرات توافد العمالة السورية إلى الأردن كان انخفاض معدل الأجور، إذ يقبَل اللاجئون نتيجة لظروفهم المعيشية والاقتصادية الصعبة بأجور أدنى من أقرانهم الأردنيين، رغم أنهم يعملون لساعات أطول.
ويسلط التقرير الضوء على خمسة قطاعات رئيسة يعمل فيها اللاجئون السوريون وهي: الزراعة، والإنشاءات، والعمل المنزلي، والصناعة، والسياحة.
قطاع الزراعة
يهيمن العمال المصريون على قطاع الزراعة في الأردن، يليهم السوريون ومن ثم الأردنيون، وبالنسبة لمالكي الأراضي الزراعية يعتبر العمال السوريون بديلاً قليل التكلفة لليد العاملة الأردنية، ويتجه السوريون إلى العمل في قطاع الزراعة لأسباب عديدة أبرزها: البقاء بعيداً عن أعين السلطات، ولذلك فكثيراً ما يتعرضون إلى الاستغلال وعدم الحصول على أجورهم، دون أن يكون في وسعهم تحصيلها بأي شكل، كونهم يعملون بصفة غير شرعية.
قطاع الإنشاءات
يضم قطاع الإنشاءات عدداً كبيراً من العمال، سواء الأردنيون وغير الأردنيين. واستناداً إلى إحصاءات رسمية، يشكل الأردنيون نحو ثلاثة أرباع عمال الإنشاءات، في حين يستحوذ المصريون على الحصة المتبقية، ويبقى السوريون أقلية في هذا القطاع، وعادة ما توكل إليهم المهام المتعلقة بالجص والبلاط والطرش وتركيب الزجاج، وسائر الأعمال التي تتطلب الدقة بشكل عام.
العمل المنزلي
يشمل قطاع العمل المنزلي مجموعة واسعة من الخدمات المرتبطة بالتنظيف، ورعاية الأطفال، والاعتناء بالمسنين والطبخ، وقد ازداد حجم هذا القطاع بشكل ملحوظ منذ سبعينيات القرن الماضي، مع تحسن الوضع المعيشي للأردنيين،
والجدير بالذكر أن عدد الأردنيين والسوريين العاملين في هذا المجال محدود. أما الذين يعملون فيه فغالباً ما يقدمون خدمات تنظيف بدوام جزئي ولا يعيشون في المنزل. وذلك لأن أغلب الأسر لا تفضل العمال الذين يجيدون التحدث بالعربية، باعتبار أنهم يفهمون ما يقال في المنزل إلى جانب أنهم يشعرون بأمان أكبر عندما تكون العاملة غير عربية.
هذا ويعمل الأردنيون والأردنيات في الحضانات، في حين أن ذلك محظور على السوريين، إذ أنها مهنة مغلقة أمام العمالة المهاجرة. ومن ناحية أخرى، أسست العديد من النساء السوريات شركات غير رسمية لتقديم الطعام والتي توفر أطباقًا معدة في المنزل.
قطاع الصناعة
بعد أن بدأ الاتحاد الأوروبي بدعم قطاعات الصناعة الأردنية، مقابل التزامها بتشغيل عمال سوريين، منح نحو 50 منتجاً تصنيعياً أردنياً فرصة النفاذ الاستثنائية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، طالما أنه يتم إنتاجها في أي من المناطق الاقتصادية المحددة، ويشارك عدد معين من العمال السوريين في تصنيعها.
ومع ذلك لا يُقبِل اللاجئون السوريون بكثرة على هذا القطاع، نظراً لأنه يلزمهم بالضمان الاجتماعي، وهو لا يعني بالنسبة إليهم سوى اقتطاع الحكومة جزءاً من أجورهم، في حين أنهم أنفسهم لا يعرفون الوقت الذي سيمضونه في الأردن على وجه التحديد، إذ أنهم سيغادرون البلاد متى تسنت لهم الفرصة ،فلماذا سيستثمرون في مشروع طويل الأمد مثل الضمان الاجتماعي؟ وعلى الرغم من أن في وسعهم المطالبة باسترداد مساهماتهم كافة في حال قرروا الرحيل، لكنهم ليسوا واثقين من ذلك.
قطاع السياحة
وجد السوريون ملاذًا لهم في قطاع المطاعم على اختلاف تصنيفاتها، ويبدي أصحاب العمل حماسةً عموماً إزاء تشغيل السوريين بسبب سمعتهم كطهاة جيدين ومهارتهم في خدمة الزبائن، في المقابل يعمل عدد قليل للغاية من السوريين في قطاع الفنادق، بسبب صعوبة الحصول على تصاريح أمنية. إلى جانب عزوف بعض الفنادق عن تشغيل عمال لا يستطيعون توفير شهادات عمل سابقة، أو شهادات تدريب.
التوصيات
يخلص التقرير بعد استعراضه لأبرز قطاعات العمل الأردنية، وحال المهاجرين واللاجئين فيها، إلى جملة من التوصيات أبرزها فيما يتعلق بالعمالة السورية: إصدار تصاريح عمل مرنة تمكن العمال من الحصول على التصريح مباشرة من الهيئة التنظيمية لسوق العمل، بحيث يدفع العامل ثمنها إلى جانب مساهمات الضمان الاجتماعي بنفسه، دون الحاجة إلى التعامل مع السوق السوداء، إضافة إلى تعزيز فرص قاطني المخيمات للعمل خارجها في المناطق الصناعية القريبة، والحد من القيود المفروضة على تنقلاتهم، وذلك طبعاً إلى جانب توفير ظروف عمل لائقة للجميع، تحدد ساعات العمل وأجوره وحقوق العمال، بما ينسجم مع المعاهدات الدولية الموقعة في هذا الشأن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
817