إضراب عمال زنوبيا..بين الفعل ورد الفعل!
عادل ياسين عادل ياسين

إضراب عمال زنوبيا..بين الفعل ورد الفعل!

وجوه أثقلتها الهموم.. وسواعد صلّبتها عجلات الإنتاج.. وإرادة صلبة كونتها تجاربهم العديدة، المتكونة في المواجهة دفاعاً عن لقمتهم وكرامتهم.

لم يكونوا أشباحاً يتوارون في الظلام، بل كانوا رجالاً في ساحات المعامل، تحت الشمس التي أكسبتهم بأشعتها عنفواناً..
إنهم أبناء الأرض المتجذرون في تربتها كما السنديان.. إنهم العمال الطامحون بالعيش أسياداً في معاملهم، ليأتي من يريد أن يحولهم إلى عبيد في طاحونة رأسماله، هذا الرأس مال الذي يطحن الآن ليس العمال فقط، بل كل من ينتمي إلى وطن المنهوبين، من عمال وفلاحين وحرفيين ومشردين والعاطلين عن العمل.
إضراب ..إضراب
لم يكن إضراب عمال شركة زنوبيا لصناعة السيراميك هو الإضراب الأول للطبقة العاملة السورية، ولن يكون الإضراب الأخير، طالما أن هناك حقوقاً للعمال لابد من تحقيقها، والحقوق كثيرة ومتعددة ومتجددة، لا تقف عند حد زيادة الأجور، وهي في أول درجات السلم المطلبي للعمال، باعتبارها تعبيراً عن ثمن قوة عملهم المباعة من قبلهم لأرباب العمل، والنضال من أجل تحسين الثمن هو جزء من النضال العام للعمال في خلق التوازن بين الأجور والأرباح، في ظل علاقات الإنتاج الرأسمالية.
والإضراب الذي يقوم به العمال هو أحد أشكال العمل من أجل الموازنة في تلك المعادلة، والعمال عندما يعلنون الإضراب يكونون قد استنفذوا جميعها الوسائل مع صاحب العمل من أجل أن يؤدي لهم حقوقهم المشروعة، الذي يمتنع عن تأديتها مدعماً موقفه بالقانون المفصل على مقاسه، وبجهات أخرى تشاطره الموقف ولها مصلحة في استمرار تغييبه لحقوق العمال.
عمال شركة زنوبيا، كما أشارت إلى إضرابهم الأخير وسائل إعلامية محلية، هو الإضراب الثالث من أجل زيادة أجورهم التي طالبوا بها مراراً وتكراراً، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى وقع المقدور وهو إعلان العمال الإضراب حتى تحقيق مطالبهم التي تقدموا بها.
مفاوضات!
وفي الإضراب لابد من مفاوضات تجري بين ممثلي العمال في المعمل وأصحاب العمل، من أجل الوصول إلى توافق بين الموقفين.
ولكن ما الذي جرى والإضراب قائم ومستمر بالرغم من المحاولات لكسره؟.
الوفد النقابي القادم من دمشق، إلى المعامل المعلن فيها الإضراب، قدّم نفسه بصفة وسيط بين العمال وأصحاب العمل، وهذا مصرح به لوسائل الإعلام « الاتحاد دخل وساطة بين العمال وأصحاب الشركة لإنهاء الخلاف الحاصل موضحاً أن العمال يتقاضون عند التعيين راتباً يساوي راتب نظرائهم في الدولة يضاف إليها 100% من الراتب إضافة ل 13 ألف غلاء معيشة».
وبهذا المعنى فإن لسان حال الوفد يقول: إن الإضراب لا مبرر له! طالما العمال قد حصلوا على ما حصلوا عليه، ولكن للعمال وجهة نظر مخالفة لم يُسألوا عنها، ولم يكونوا طرفاً في المفاوضات، وهم الأحق في أن يعبروا عن موقفهم ويفاوضوا من أجله أمام «الوسيط» النقابي، أو صاحب العمل، طالما أن هذا الوفد لم يأتِ بموقفٍ داعم لمطالب العمال ولإضرابهم، الذي هو حقّ مشروع ومكفول دستورياً وتؤيده الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق النقابية والديمقراطية، التي وقعت عليها سورية، وبهذا تصبح جزءاً من القوانين المرعية، وعلى النقابات ضمان هذا الحق للعمال كشكل من أشكال الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، وأن تكون طرفاً فاعلاً ليس عبر التبني له فقط، وهذا غير موجود إلى هذه اللحظة، بل عبر الممارسة.
إصرار على انتزاع الحقوق
إن إصرار العمال على مواصلة إضرابهم يعبر عن عمق التردي الذي وصل إليه وضعهم المعيشي، وبالتالي الخيارات المطروحة أمامهم من أجل انتزاع حقوقهم هي خيارات محدودة، أمام إصرار أرباب العمل على عدم تلبية مطالبهم، الذين قالوا: إن تلبيتنا لتلك المطالب ستفتح أمام العمال مجالات للمطالبة لن تنتهي!.
أي إن هذا القول فيه اعتراف ضمني غير مصرح به؛ بأن للعمال حقوق واستجابتنا لها يعني الخضوع للعمال في مطالبهم، وهذا يتعارض مع قوانين الاستغلال الرأسمالي، التي في جوهرها تحقيق معدلات الربح العالية مقابل إفقارٍ عالٍ للطبقة العاملة، وهذا ما تعبر عنه معادلة الدخل الوطني 13% أجور و87% أرباح.
فهل يستوي الذين ينتجون والذين لا ينتجون؟
الصراع الطبقي
وصنع الانتصارات
السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي تم تبنيها رسمياً من خلال أسمها الحركي «اقتصاد السوق» هي تعبير عن عمق الصراع الطبقي المتولد من جراء الاستغلال المكثف لقوى العمل، والذي راكم عبر تطبيق تلك السياسات حجماً هائلاً من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية «فقر وتهميش وبطالة وفساد وأزمة وطنية عميقة».
إن الطبقة العاملة عندما تحسم خيارها في ممارسة الإضراب تكون قد وصلت إلى تلك القناعة الراسخة بأن هذا الطريق هو الوحيد والقادر على انتزاع حقوقها، بالرغم من الإعاقات التي توضع في طريقها، ولكن تلك الإعاقات تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، لتتسع دائرة الفعل لدى العمال، قد يفشلون أحياناً، ولكن ليس دائماً، لأن التجارب تعلمهم كيف يصنعون انتصاراتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
811