جلسة حوارية محابية للحكومة
بتاريخ 14/5/2017 أقام المرصد العمالي للدراسات والبحوث، التابع للاتحاد العام لنقابات العمال، جلسة حوارية تناولت «المستوى المعيشي في سورية»، وذلك في مقر الاتحاد.
شارك في الندوة نخبة من الاقتصاديين والباحثين الاقتصاديين ومن الأكاديميين إضافة إلى أعضاء مجلس إدارة المرصد العمالي للدراسات والبحوث التابع للاتحاد العام.
محاولات توصيف
خلال الجلسة تم استعراض الواقع الاقتصادي والأداء الحكومي من خلال محاولة تحليل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وواقع قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، من قبل المتحاورين، وذلك من أجل التوصل إلى توصيات بغاية تقليص الفجوة بين الدخل والإنفاق في ظل ارتفاعات الأسعار المتتالية، وانخفاض القوة الشرائية لليرة.
الحوارات أشارت إلى انعكاسات سياسات الحكومة وأدائها على المستوى المعيشي للمواطنين، كمحاولة لتوصيف الواقع، كما تم التنويه إلى الضبابية التي تعتري البرامج الحكومية المصرح عنها، في ظل الغموض الذي يلف آليات العمل التنفيذي لهذه البرامج، وخاصة على مستوى مدة التنفيذ، بالإضافة إلى ضرورة البحث عن مصادر إيرادات حكومية لخلق قيم مضافة وخلق فرص عمل وصولاً لرفع الأجور والرواتب، مع الإشارة إلى الهدر الهائل الذي يقدر بآلاف المليارات في عدة استثمارات لأملاك الدولة، مع التأكيد على ضرورة إعادة دعم القطاع الزراعي من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج وصولاً إلى دعم الاقتصاد الوطني ودفع عملية الإنتاج للسير من جديد.
مقترحات
من جملة المقترحات أيضاً: فرض ضريبة على المساكن الخالية، وعلى الإنفاق الاستهلاكي لمرافق الخمس نجوم، مع السماح باستيراد السلع الكمالية غالية الثمن، والتي هي موجودة فعلاً عن طريق التهريب، مع فرض ضرائب عليها بما يحد من عملية تهريبها، إضافة إلى دعم خزينة الدولة بمبالغ كبيرة، إلى جانب زيادة الضرائب على انتقال ملكية العقارات مرتفعة السعر، وأهمية طرح سندات الخزينة في فترات مختلفة وأن تذهب إلى القطاع الإنتاجي الحقيقي السلعي الزراعي النباتي الحيواني التحويلي والتي ستساهم في زيادة موارد الدولة، مع التشديد على عدم زيادة الرواتب من خلال رفع أسعار المشتقات لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة كارثية على المستهلك وتحميله ثمن هذه التكلفة قبل أن تصل إليه.
لم يغب عن الجلسة والحوارات فيها عبارات: الطبقة العاملة- المستوى المعيشي- معاناة المواطنين- الفجوة بين الدخل والإنفاق- القوة الشرائية- تحسين الواقع المعيشي- متوسط الإنفاق- ارتفاع الأسعار- البطالة والعاطلون عن العمل- زيادة الانتاج- دعم المشاريع الصغيرة- ...
لا حلول إلا بالقطع
مع السياسات الليبرالية
الملفت بعد كل هذا التوصيف وتلك العبارات هو أن التركيز بالمحصلة كان على ضرورة ابتعاد الحكومة عن فكرة زيادة الرواتب، ليس على مستوى ما تقدم به المتحاورون فقط، بل حتى على مستوى المقترحات التي سيتم التقدم بها كخطوات لمساعدة الحكومة في ترجمة الخطط والتوصيات التي يخرجون بها بشكل ملموس على أرض الواقع، مع التأكيد على ضرورة الابتعاد في المقترحات عن فكرة زيادة الرواتب والمطالبة عوضاً عن ذلك بزيادة التعويضات، إذ لا يمكن التفكير بزيادة الرواتب والأجور دون زيادة الإنتاجية، هكذا..!.
والنتيجة أن المرصد العمالي بجلسته الحوارية، وتوصياتها ومقترحاتها، لم تخرج عن حيز السياسات الحكومية الليبرالية المرسومة والمتبعة منذ عقود، بل وكأنه يثني عليها ويحابيها، كما يحابي المستفيدين منها، عبر التمسك بمقولاتها التبريرية الجاهزة عن ربط زيادة الرواتب والأجور بزيادة الإنتاج والإنتاجية، رغم صحة المقولة من الناحية النظرية في حال توفرت لها النية والإمكانية لتطبيقها.
فما كان منه إلا أنه تبنى تلك المقولة مع التبريرات، والأهم من ذلك هو أن المرصد والجلسة والمتحاورين، على الرغم من توجيه بعض الملحوظات على الأداء الحكومي والبرامج الزمنية وغيرها من الملاحظات التي سيقت خلال الجلسة، إلّا أنه لم يتم لحظ أن كل سوء وتدهور القطاع الإنتاجي، الصناعي والزراعي، العام والخاص، كان سببه تلك السياسات الليبرالية المتبعة نفسها، التي تزيد من حصة أصحاب الأرباح على حساب حصة أصحاب الأجور من مجمل نتائج عمل الاقتصاد الوطني بقطاعاته كلها، الصناعية والزراعية والخدمية وغيرها، وبأنه لا يمكن في حال من الأحوال أن يتحسن الواقع الإنتاجي، بما يرتبط بواقع الرواتب والأجور، وتحسين المستوى المعيشي للطبقة العاملة والمواطنين عموماً، إلا عبر القطع التام مع هذه السياسات التي كانت هي السبب الأوحد لما وصلت إليه الحال الاقتصادية من تدهور وسوء، مع الانعكاسات السلبية لذلك على كل مناحي الحياة، والتي تزايد حصاد سلبياتها خلال فترة الحرب والأزمة، على حساب المواطنين والوطن، ولمصلحة حفنة من أصحاب الأرباح، وكبار التجار والمستوردين والمستثمرين والفاسدين، مضافاً إليهم شريحة تجار الحرب والأزمة الجدد وأمرائها.
ولعل من واجبنا توجيه نداء للمرصد العمالي، والقائمين عليه، بالقول ما هكذا تورد الإبل، فمصلحة الطبقة العاملة، كما عموم السوريين المسحوقين والمفقرين بنتيجة السياسات المتبعة، هي بالتوصيف العلمي والدقيق لمجمل هذه السياسات، وخاصة على المستوى الاقتصادي والمعيشي، ووضع النقاط على الحروف بما يحقق تأمين مصلحة الطبقة العاملة، مع المقترحات العملية والعلمية المتوفرة والقابلة للتنفيذ، سواء بعودة الإنتاج والإنتاجية بشكل فعلي وملموس وليس على الورق فقط، أو على مستوى تحسين الواقع المعيشي والخدمي، وهو الحد الأدنى المطلوب من المرصد، بعيداً عن هذا الشكل من المحاباة لتلك السياسات، ومن خلفها والمستفيدين منها، التي أفقرت البلاد والعباد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 811