خصخصة التشريع !!
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

خصخصة التشريع !!

ينظم قانون العمل العلاقة القانونية بين رب العمل والعامل، وتنص قوانين العمل عادةً على الحقوق الأساسية للعمال وواجباتهم بشكل عام، في أنحاء البلاد جميعها، وفروع الإنتاج المختلفة، حيث يعد قانون العمل دستور حقوق العمال، لا يجوز تجاوزه أو التعدي عليه أو إلغاؤه من أية جهة كانت.

 

وظيفة النظام الداخلي 

لما كان لكل فرع من فروع الإنتاج خاصية وظروف عمل يتميز بها عن غيره، فهذه الخصوصية تعالج عادةً في النظام الداخلي للمنشأة،أي أن النظام الداخلي يهتم بالتفاصيل، التي لا يستطيع المشرع الإلمام بها جميعاً فيتركها لكل فرع إنتاجي، ينظم هذه التفاصيل مهتدين بقانون العمل، لذلك تعد الأنظمة الداخلية مكملةً لقانون العمل وتستمد أحكامها منه ولا يجوز لها أن تخالف مواده.

ولكن تأخذ القوانين في البلدان المتخلفة التي يكون ميزان القوى في المجتمع لصالح أرباب العمل، إلى جعل النظام الداخلي للعمل هو الأساس ملغياً بذلك قانون العمل أو متعدياً عليه، وانتقاصاً من حقوق العمال كما يرد في بعض بنود الأنظمة الداخلية: (ويطبق قانون العمل في كل ما لم يرد النص عليه) وكأن النظام الداخلي هنا هو الأساس وقانون العمل هنا هو المكمل وليس العكس، وبالتالي  يفقد قانون العمل قيمته القانونية والحقوقية ويصبح مجرد حبرٍ على ورق، هذا عدا أن النظام الداخلي للمعامل الموضوع أساساً بناءً على رغبة خالصة  من رب العمل، يعتبر بمثابة عقد إذعان بالنسبة للعامل، لا يستطيع  نقضه أو المناقشة فيه، أو تعديل في بنوده، فهو إما يقبله كاملاً، وبالتالي يصبح عاملاً عند رب العمل ورزقه متوقف عليه، وإما أن يرفضه وبالتالي لن يعمل وسيبقى معطلاً عن  العمل.

مزيد من الاستغلال

بالرغم من أن قوانين العمل توضع في البلدان الليبرالية لصالح  أرباب العمل عادةً، نتيجةً لتوازن القوى داخل هذه المجتمعات، إلّا أن هذا لا يكفي ولا يمنع قوى رأس المال من إلغائها أيضاً، واستبدالها بقوانين توضع حسب رغبتهم الخالصة كالأنظمة الداخلية، فالقانون يبقى خاضعاً للتعديل في أي وقت، وإلغاؤه واستبداله بالأنظمة الداخلية سيمنع أية إمكانية مستقبلية لتعديلها لمصلحة العمال ويمنع أية مراقبة على حقوق العمال وشروط عملهم وستكون حقوق العمال بعيدةً عن أية جهة رقابية أو نقابية مما يؤمن أكبر قدر من الاستغلال للعمال، ودون أن يكون  لهم الحق في المطالبة بتحسين شروط عملهم، لأنهُ حسب اعتقاد رب العمل فإن المنشأة منشأته بناها بعرق جبينه هو لوحده، وهذا ما يدفعه نحو هضم حقوق العمال ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

التهرب من تطبيق الدستور 

في بلادنا يبدو أن طرح الأنظمة الداخلية بديلاً عن قانون العمل، هو التفاف على حقوق العمال، التي نص عليها الدستور الجديد عام 2012 فقانون العمل                                                                             يعتبر قانوناً غير دستوري لمخالفته الواضحة والصريحة للدستور، في العديد من مواده والاتجاه على ما يبدو هو إعطاء الأنظمة الداخلية الصفة القانونية والحقوقية، واعتبارها المرجع القانوني المنظم للعلاقة بين العامل ورب العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص وذلك تهرباً من تعديل قانون العمل بما يتوافق والدستور الجديد، الذي أعطى العامل حق الإضراب ونص على العدالة الاجتماعية وربط الأجور بمستوى المعيشة. 

ما وظيفة السلطة التشريعية ؟

استبدال قانون العمل بالنظام الداخلي هو بحد  ذاته فعل غير دستوري                                                    فالنظام الداخلي يصدر بقرار، أما قانون العمل يصدر بقانون من  السلطات التشريعية في البلاد، ودستورياً لا يجوز أن يلغى قانون بقرار من سلطة  أدنى، فكيف إذا كانت هذه السلطة غير رسمية  في القطاع الخاص ؟!  

ومن جهة أخرى يعد تعدياً على صلاحيات السلطة الدستورية والتشريعية في البلاد، من قبل أرباب العمل، ولا يزيل هذا العيب رقابة وزارة العمل على الأنظمة الداخلية، لأن وزارة العمل هي سلطة تنفيذية، وليست تشريعيةً ومهمتها تنفيذ قانون العمل لا تنفيذ رغبة أرباب العمل.

فإذا كانت وزارة العمل لم تستطع مراقبة وتنفيذ قانون واحد، هو قانون  العمل، فكيف لها أن تراقب وتنفذ العشرات بل المئات من الأنظمة الداخلية ؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
801