بصراحة.. اقتصاد الشرف

هل من ضير إذا سلكنا طريق الأجداد في عام 1923 حين أطلق الرجل الوطني فخري البارودي ميثاق شرف لغرفة الصناعة والتجارة في دمشق وكان بمثابة وضع الأسس التي يجب أن تبنى عليها القاعدة الاقتصادية التي تدعم استقلالية الوطن وتعزز قوته في مواجهة الأخطار المحدقة آنذاك.

«أعاهد الله والشرف على أن لااصرف قرشاً في حاجة صادرة عن بلاد أجنبية مادام منها في وطني العربي الكبير، وأن أعزز اقتصاديات بلادي وأعمل لترويجها وتصريفها بكل مالدي من قوة والوطن شاهدي والله حسبي ونعم الوكيل».

بمثل هذه القاعدة الأخلاقية تضافرت جهود كل القوى الوطنية في كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية في البلاد من أجل بناء صناعة وطنية تلعب درواً هاماً في بناء الدولة المستقلة ذات السيادة وقد دعمت هذا التوجه سياسة مقاطعة البضائع الأجنبية حيث لعبت دوراً هاماً في تطور القطاعات الإنتاجية آنذاك فهي قديمة في بلادنا وتعتبر من أهم التقاليد الوطنية التي تعود في جذورها إلى ماقبل الحرب العالمية الأولى وقد تأسست على أرضية وطنية صلبة غايتها التحرر من قبضة المستعمر وبناء وطن حر يبني اقتصاده ويقيم علاقاته الاقتصادية بما يخدم توجهاته الوطنية التي أسست فيما بعد لبناء الدولة الوطنية المستقلة.

واليوم إذ تتنكر البرجوازية الجديدة بكل أشكالها البيروقراطية والطفيلية لمثل هذا الميثاق فهي بدورها لاتفرط باقتصادنا الوطني فقط بل بالسيادة الوطنية بحد ذاتها. إن تنفيذ نصائح بيوتات المال الغربية بحجة الملائمة والمواجهة والواقعية التي تفرض نفسها وشروطها على تطور الاقتصاد العالمي الذي نحن جزء لايتجزأ منه لايساهم في معالجة إشكاليات قطاعاتنا الإنتاجية في العام والخاص والمشترك بل يساهم في تعقيد أوضاعها.

فسياسة الانفتاح التي تدعو إليها الحكومة وممثلو غرفة التجارة ماهي إلا هروب من استحقاقات التنمية التي يجب أن يشارك فيها أطراف الإنتاج الثلاثة الدولة وأرباب العمل والعمال. المتضررون بشكل مباشر من السياسات المتبعة في المجال الاقتصادي والتي جوهرها عدم التوسع الأفقي في بناء القاعدة الاقتصادية، والحد من تدفق استثمارات الدولة في القطاع العام ليتمكن من إعادة صياغة دوره الذي يجب أن يلعبه بشكل جيد بعد تخليصه من ناهبيه.

فالسياسات التي تحاول الدولة تنفيذها هي في جوهرها تفكيك منظم لقطاعات الإنتاج الوطني في الخاص والعام لصالح البرجوازية التجارية التي تسعى بكل قوة كي تلعب الدور الأول في حرف المسار الاقتصادي لصالحها وصالح الشركات العالمية التي تمثلها، وفق قاعدة تحقيق أرباح خيالية على حساب التنمية الاقتصادية الوطنية ولهذا نجد أن القوانين التي تصدر اليوم تعيق التطور الاقتصادي بحجة إصلاح القطاعات الاقتصادية وتطويرها وتحديثها وهي تستخدم سلاح الإصلاح والتطوير من أجل الإسراع في تفكيك البناء الاقتصادي الداخلي.

ومن وجهة نظرنا فإن الإصلاح والتطوير يبنى على أساس النهج الاقتصادي الوطني بما يتلاءم مع تعزيز صمودنا والذي يجب أن ينعكس إيجابي على الحد من نسبة البطالة وعلى تحسين المستوى المعاشي للعاملين بأجر. لكن الخضوع لمثل هذه التوجهات يفرض مساراً جديداً يؤدي إلى تقويض دور الدولة ويفكك منظومتها.

وهذا هو المطلوب تنفيذه من قبل اعداء الوطن. فهل نحقق بأيدينا مايريدون أم أننا نعود بذاكرتنا الوطنية لنأخذ من الأجداد تجربتهم التي بنوا فيها اقتصادنا الوطني وأمنوا الاستقلال والسيادة الحرة.

 

■ سهيل قوطرش

معلومات إضافية

العدد رقم:
227