متى أصبح البقشيش أجرا؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

متى أصبح البقشيش أجرا؟

يتحركون باستمرار كالمكوك الحائر, لكل منهم اختصاصه المحدد, لا وقت للراحة أو لالتقاط الأنفاس, فطبيعة عملهم تفرض عليهم التجول الدائم بين الطاولات, والتنقل المستمر بين المطبخ والصالة, تمتد ساعات العمل فيظهر التعب الشديد على محياهم ومن خلال مشيتهم, فيخال للمرء بأنهم يحصلون على أجر يقبرون الفقر فيه.

توسع القطاع الخاص الخدمي خلال العقدين الأخيرين بشكل كبير وخاصة السياحي منه فانتشرت المطاعم والمقاهي والمنتزهات وشيدت المولات التجارية في المدينة والريف ووجد المستثمرون وأصحاب الأموال ومحدثو الثروة الفرصة المواتية لتنفيذ مشاريعهم الخدمية الجديدة مستفيدين من  السياسات الحكومية الاقتصادية الليبرالية التي أعطت الضوء الأخضر لهذه المشاريع ذات الريعية العالية و والأرباح السريعة  فزودتها بالأرضية القانونية والمالية وأعطت القروض و ( تكارمت ) بالتسهيلات فتهافتت رؤوس الأموال وقام كل واحد من هؤلاء بتشييد أو استثمار مشروعه حسب حجمه المالي ونوعية التسهيلات فأصبحت منطقة الجسر الخامس على طريق المطار مثلاً مركزاً كبيراً للمطاعم بمختلف نجماتها وأحجامها من القلاع الكبيرة والمتوسطة وحتى المنتزهات الشعبية وكذلك ارتفعت المولات في العاصمة وريفها ليغدو هذا القطاع الربحي الواسع من أكثر القطاعات ريعا وأكثرها استغلالاً للعمال.

انعدام الخيارات 

والطريق الإجباري!

يمكن القول بأن الغالبية العظمى من العمال الذين يشتغلون في هذا القطاع هم من سكان الأرياف كون السياسات الاقتصادية الليبرالية المستمرة في البلاد كنهج عام تنعكس بالدرجة الأولى على القطاعات الاقتصادية الحقيقية وأولها تأثراً القطاع الزراعي الذي رفع الدعم الحكومي عنه تدريجياً بالتزامن مع غياب المشاريع التنموية الكبرى  مما دفع بالقسم الأكبر من شباب الريف المتعطلين عن العمل وغير المدربين فنياً أو مهنياً  للعمل في هذا القطاع كونه لا يحتاج لأكثر من بنطال أسود وقميص ابيض و ظروف معيشية قاسية تجبره على التنازل عن الحقوق وتقديم فروض الطاعة بأجور مخزية وشروط عمل لا ترحم في حين يكدس صاحب العمل في صندوق حسابه رزمات الآلاف بابتسامة سياحية مميزة.

(شايف مو شايف 

سمعان مو هون) 

يعتبر العمل في المطاعم والمقاهي متعباً للغاية من الناحية الجسدية والنفسية فساعات العمل طويلة لا تقل عن 10 ساعات تتصف بتكثيف عالٍ للعمل حيث يحرص أرباب العمل دائماً على التقليل من عدد العمال قدر استطاعتهم  فيتحمل العامل الواحد أعباءً إضافية فيبذل جهداً مضاعفاً والمفارقة العجيبة بأن الأجور الممنوحة لهم قليلة جداً مقارنة بأجور قطاعات أخرى فالأجر لا يتجاوز عشرة ألاف ليرة كون رب العمل يحرص على تغطية نفقات الأجور من البقشيش الذي يحصل عليه العمال من الزبائن ويتقاسموه فيما بينهم ليغنم كامل الغلة ناهيك عن غياب حقوق العمال من تأمينات اجتماعية وصحية أو حقوق نقابية. ويبقى السؤال هنا هل عشرات آلاف العمال المشتغلين في المطاعم والمقاهي بعيدون ومخيفون عن أعين الحكومة والتأمينات الاجتماعية أم أن الحكومة فتحت الباب بمصراعيه لمن يريد الاستثمار في هذا القطاع دون أن تضع شروطاً قانونية تضمن حق كل عامل فيه؟ يبدو ذلك!.

الجامعيون عمال عالساعة

يعتمد أصحاب المطاعم والمقاهي جميعهم، على عمال ساعيين أي عمال يشتغلون لساعات محددة في الأسبوع وتحديداً في أيام العطل الجمعة والسبت ومساء الخميس أيضا وهؤلاء لهم خاصيتهم من ناحية شروط العمل وعدد ساعات العمل والأجر كذلك فيومية العامل منهم بدوام 8 ساعات تبلغ 700 ليرة وحصة من صندوق البقشيش تذهب نصفها أجرة طريق (ومصروف جيبة) وغالبية هؤلاء الساعيين من طلبة الجامعات ومن الجنسين لأن هذا النوع من العمل يتناسب مع حاجتهم الملحة للعمل ولظروف دراستهم ورغم معرفتهم وإحساسهم بالقهر جراء استغلالهم هذا إلا أنهم يسألون: وهل هناك خيار ما؟ فهذا ليس خيارنا!.

حرقة قلب وفشة خلق

عبير التي تشتغل في أحد المطاعم الموجودة في (مول التاون سنتر): خربانة أستاذ خربانة لح قلك كيف؟ «أنا طالبة اقتصاد سنة ثانية بشتغل هون بنظام الساعات أيام العطل وليلة الخميس باخد 500 ليرة كأجر ثابت عن كل يوم ونسبة من الصندوق المشترك للإكراميات فأحياناً بيطلعلي ألف أحيانا 300 الزبائن بحط منهم وأكيد مالي مرتاحة ولا رضيانة وبحس حالي عم أتعب وأتلف ببلاش بس شو البديل عندي جامعة وبابا وماما للأسف موظفين وما بيقدروا يعطوني مصروف شخصي شو مو عايش بالبلد؟ يا خوفي أتخرج وأبقى اشتغل هون لأنو حتى المتخرجين ما لهم وظائف وبتعرف شو اكتر شي بيقهرني انو ما بقدر آخد لاخواتي الصغار أي شي من الوجبات اللي بتقدم هون لأنو أجرتي أقل من أرخص وجبة ما قلتلك خربانة البلد استاذ» .

معلومات إضافية

العدد رقم:
786