بصراحة: الطبقة العاملة وجلاء المحتل الفرنسي
عندما خرج البطل الوطني يوسف العظمة إلى ميسلون لم يكن بذهنه أبداً أنه سيحقق نصراً عسكرياً على القوات الفرنسية،وهو القائد العسكري العالم من الناحية العسكرية موازين القوى الحقيقية بين من خرج معه لملاقاة الجيش الفرنسي وبين القوات الفرنسية المجهزة بالعتاد العسكري المتطور وفقا ًلمقاييس ذلك الزمان.
ولكن الدافع الأساسي لخوض القائد البطل يوسف العظمة المواجهة مع العدو الفرنسي إرادته الصوانية بأن لا يسمح للعدو أن يمر دون مقاومة، وهذا الفعل المقاوم كان بمثابة دستور دائم للشعب السوري سار على هديه في معاركه اللاحقة حيث لا يمكن المساس به أو تعديله لأنه أصبح القانون الذي على أساسه سيحاكم الشعب السوري كل من يريد الخروج عنه تحت أية ذريعة كانت أو حجة لتغطية الفعل الخياني، و الخيانة ليست وجهة نظر قابلة للحوار أو النقاش بل هي موقف، إما أن تكون مع العدو أو تكون في مواجهته،وهذا هو الطريق الذي سارت علية الطبقة العاملة السورية منذ تكونها الجنيني في رحم الِحرف التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فقد شارك طلائع العمال في الثورة التي سميت ب«ثورة العوام»ضد العثمانيين وولاتهم الظالمين والمستبدين لحد القهر،حيث شكل هذا العمل الوطني بداية المواجهة مع هذا الشكل من الاستعمار المباشر للوطن، ووضع اللبنات الأساسية للمواجهة القادمة مع المحتل الفرنسي شعبياً التي كان مثالها الساطع معركة ميسلون.
إن الطبقة العاملة كان لها دور رئيسي لعبته إلى جانب القوى الوطنية الأخرى المقاومة على امتداد ساحات الوطن في خوض معارك المواجهة مع الاحتلال الفرنسي وبأشكال مختلفة يأتي في مقدمتها المظاهرات،والإضرابات، والعصيان المدني، هذا بالإضافة لنضال العمال ضد الشركات الأجنبية التي زرعها الفرنسيون مثل«شركة الريجي،والكهرباء،والسكك الحديدية»
من أجل زيادة الأجور،وتحسين ظروف العمل،وتأسيس النقابات المستقلة عن أرباب العمل إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى ،وفي مقدمتها أن يكون في«المجلس النيابي» ممثلون مستقلون عن العمال،وهذا ما كانت تعارضه البرجوازية على طول الخط لمعرفتها المسبقة بما سيعنيه ذلك من فضح لدور البرجوازية في إدامة الاستغلال والحرمان الواقعين على العمال من خلال التشريعات الصادرة عن المجلس،المترافق مع القوة المادية على الأرض التي يشكلها العمال من خلال حركتهم الإضرابية الناشطة والتي عبرها، ومن خلالها استطاع العمال انتزاع العديد من حقوقهم التي أنكرها عليهم أرباب العمل أصحاب النفوذ في المجتمع والبرلمان،وبهذا الفعل الكفاحي يكون العمال قد ساهموا في فتح ثغرات حقيقية في المكونات التي يعتمد عليها الاستعمار لإدامة احتلاله الذي زال بفعل المقاومة الشعبية التي شاركت فيها كل القوى الرافضة لبقاء الاستعمار، بالإضافة لمساندة قوى الاشتراكية، والتقدم لاستقلال الشعب السوري،ومن هنا فإن الخبرة المكتسبة من تاريخ شعبنا السوري العظيم ومن تجربته،يجعلنا نعتقد جازمين،أنه لا يمكن الدفاع عن الوطن دون أن تكون حقوق الشعب السوري السياسية والاقتصادية والاجتماعية مصانة، ويمكنه الدفاع عنها بالوسائل والطرق السلمية في مواجهة القوى التي تريد عبر برامجها الاقتصادية والسياسية وفعلها على الأرض ربط سورية بالمشروع الامبريالي الصهيوني الرجعي، حيث عملت السياسات الاقتصادية الليبرالية على تهيئة الظروف المناسبة للقبول بذاك المشروع، عبر محاولة التأثير الحقيقي على مزاج الناس وسلوكهم وحياتهم المعيشية، للقبول به كمنقذ لما هم فيه اقتصادياً وسياسيا ساعدهم في ذلك الكثير من العوامل الأخرى داخلياً،وخارجياً،ولكن قطاعات هامه من الشعب لم تنجر إلى مبتغى تلك القوى بما فيها أقسام هامة من الحراك الشعبي السلمي،الذي يتعلم ومن تجربته القصيرة أن ما يطرح عليه من مشاريع لا يمكن القبول بها، لأنها معادية لمصالحه الحقيقية التي خرج من أجلها،يرفضها بحزم انطلاقا من إرثه الوطني الذي اكتسبه شعبنا،مع التأكيد على حقوقه المشروعة التي خرج من أجلها،ولابد من إنجازها عبر التغيير السلمي الديمقراطي.