الحكومة تعطل أحكاما قضائية

 الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تتحول إلى كابوس على العمال، وتبدو عاجزة أمام نهب المال العام.

لن نستعرض واقع 36 عاملاً تم تسريحهم من قبل شركة «شل» بعد خدمة استمرت عشر سنوات متواصلة، وقد أقام هؤلاء دعاوى قضائية للحصول على حقوقهم التعويضية والتأمينية، وبعد صدور حكم مكتسب للدرجة القطعية لصالح العمال من محكمة القضاء الإداري، سطر السيد رئيس مجلس الوزراء السابق حاشيته إلى مدير عام التأمينات الاجتماعية ومدير فرعها في دمشق لوقف جميع الإجراءات الإدارية إلى حين الانتهاء والبت بالموضوع قضائياً وكل مخالفة ستتوجب المساءلة.

وهكذا أوقف مدير عام التأمينات الاجتماعية كل الإجراءات مع أنه يؤكد أن العمال مظلومون وأنهم محقون في مطالبيهم كما تقول جريدة الثورة في عددها تاريخ 15 شباط 2006، وجاء أيضاً أن محامي شركة «شل» اجتمع مع العمال وأقر بحقوقهم إلا أن رئيس الحكومة السابق يحرك القضاء كما يشاء كما قال محامي الشركة.

عندما اطلعنا على ذلك الإنجاز الكبير لرئيس الحكومة السابق تذكرنا أيضاً الإنجاز الكبير الآخر لاقتصاد السوق «الاجتماعي» من خلال كتاب السيد رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 24/6/2004 إلى المصرف التجاري السوري يقول نصه:

أبلغتنا مؤسسة الإسكان العسكري بموجب كتابها رقم 6.95ص تاريخ 24/6/2004 بأن فرع المصرف التجاري السوري في حلب رقم 2 أقدم على حجز مبلغين من حساب المؤسسة بطلب من دوائر التنفيذ بغية تنفيذ بعض الأحكام القضائية، ولما كان الموضوع معروضاً على الهيئة المركزية للرقاقة والتفتيش فإننا نرغب إليكم الطلب من الفرع المذكور وغيره من الفروع بعدم تنفيذ الحجز على أموال المؤسسة لدفع مبالغ عن مواضيع تجري الهيئة تحقيقاتها فيها.

وهكذا توجيهات موثقة وعلنية، الكتاب الأول يتعلق بحقوق 30 عاملاً يعملون في شركة هولندية ومحامي الشركة أقر بحقوقهم بل ونصحهم بإقامة الدعوى في هولندا للحصول على حقوقهم، وتم تعطيل القرار إلى حين البت بالموضوع من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رغم أن القضاء بت بالموضوع.

والكتاب الثاني يؤكد بأن على المصارف السورية عدم تنفيذ أي قرار قضائي يتعلق بأي موضوع مطروح على الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

هذا يؤكد قولاً وفعلاً بأن القضاء يتبع السلطة التنفيذية وهذه مخالفة واضحة للدستور في المادة 31 منه والتي تقول: السلطة القضائية سلطة مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى. ونسأل:

إذا كانت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تتمتع بهذه السلطة الكبيرة وهي أكبر من القضاء: لماذا لاتمارس دورها على الذين ينتهكون القوانين ويشجعون على انتهاكها، على الذين يقومون بتخريب الضمائر والذمم وينشرون فلسفة التخريب الأخلاقي ويجبرون موظفين ومدراء من قطار العمل والإنتاج إلى مزالق الرشوة والسمسرة والوساطة.

نقول ذلك ونحن نعلم أن الهيئة أدانت عشرات المديرين والموظفين بقضايا الهدر وصرف أموال بطرق غير مشروعة، ورغم ذلك بقي أكثر هؤلاء في مواقعهم، وبعضهم صار بموقع أعلى وأكبر.. مثلاً استطاع الجهاز المركزي للرقابة المالية أن يكشف هدراً في إحدى أهم شركات الغزل والنسيج قيمته أقل من مئة ليرة سورية وبقي طاقم الجهاز يفتش في هذه الشركة لأكثر من شهر حول أسباب هذا الهدر الخطير، وقد أنفقت الشركة على طاقم التفتيش أكثر من مائة ألف ل.س، وفي شركات ومؤسسات أخرى يداوم الطاقم التفتيشي لأشهر عديدة وسط فزع عام ورعب من الطاقم الإداري والعمالي لماذا؟ لأن هناك مطالب عمالية أخذت أحكاماً قضائية واكتسبت الدرجة القطعية كاللباس والوجبة الغذائية والحوافز، ويأتي مفتش الجهاز المركزي ليلغي هذه الأحكام وليطالب العمال بما أخذوه عن سنوات سابقة لأنها تخالف الأنظمة والقوانين.

أقول أخيراً لابد للرقابة أن تكون جهازاً أعلى للإشراف وأن تتحول إلى رقابة نوعية على الخطط الاقتصادية وتنفيذ المشاريع لا كابوساً على الصغار.

 

■ نزار عادلة