عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة عمال القطاع الخاص يصرخون : وانقابتاه!!

كانت معظم المداخلات التي ألقاها عمال القطاع الخاص في المؤتمرات  النقابية نابضة بمعاناة حقيقية يعيشها هؤلاء العمال، وهم أغلبية الطبقة العاملة، وأقلية في تنظيمهم النقابي.

إن هذا الأمر ليس وليد اللحظة الحاضرة، بل يمتد لسنوات طويلة سابقة غُيب فيها العمل النقابي عن هؤلاء العمال، انطلاقاً من جملة توجهات حكمت عمل الحركة النقابية في ظروف سابقة سياسية واقتصادية، على رأسها وجود قطاع دولة واسع وقوي، لعب دوراً مهماً في حياة البلاد السياسية والاقتصادية، فقد تكونت في رحمه طبقة عاملة موصوفة غذت الطبقة العاملة بدماء جديدة (خريجي معاهد متوسطة وثانويات صناعية، ومهندسين من مختلف الاختصاصات)، بالإضافة إلى الكادرات التي تكونت في سياق العمل وكونت خبرات ليست بالقليلة في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة الوافدة إلى المعامل الجديدة التي أنشئت، مما أدى إلى توسع كبير في التنظيم النقابي داخل قطاع الدولة، وهذا التوسع لم يكن نتيجة دور خاص لعبته النقابات بعملية التنسيب إليها، إنما جاء  انطلاقاً من أن كل عامل يدخل إلى المعمل، هو حكماً عضو في النقابة التي تتبع لها المهنة، أي التنسيب هو تحصيل حاصل للشروط الواجب تحققها بالعامل حتى يعمل.

إن الشروط والظروف التي أحاطت بالعمل النقابي، وخاصة  السياسية منها، والتي جرى فيها تبني لشعارات لعبت دوراً مهماً في توجه الحركة النقابية وطرق وأساليب العمل التي أتبعتها، حيث كان يأتيها كل شيء من فوق، رغم أهمية ماصدر من مكتسبات جعل الحركة النقابية مرهونة في قراراتها دائماً لفوق، ومايصدر عنه، حيث خلق هذا تناقضاً حاداً بين القاعدة التي يمثلها التنظيم النقابي، أي (الحركة العمالية) وبين قمة الهرم النقابي، وأخذ هذا التناقض يزداد لدرجة أن النقابات لم تعد قادرة على فعل حقيقي تدافع فيه بشكل حازم عن  تلك المكتسبات التي تحققت للطبقة العاملة في مراحل سابقة، ولا هي قادرة على انتزاع حقوق جديدة للطبقة العاملة التي عكستها مداخلات النقابيين ابتداء من اجتماعات مجالس الاتحاد العام وانتهاء بمؤتمرات الاتحاد في المحافظاات والتي تُدوّر من عام إلى عام.

إن هذا التناقض أصبح محكوماً إلى حد بعيد باستمرار تبني الحركة النقابية لتلك الشعارات والتوجهات في ظروف متغيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تتطلب مراجعة حقيقية لشكل ومضمون الفعل النقابي الذي يجب أن تتبناه الحركة النقابية والذي أشار له أيضاً النقابيون في مداخلاتهم، خاصة ونحن نرى الهجوم الواسع والمستند للقوانين والتشريعات التي صدرت تحت شعار (قلمك أخضر) والذي يشنه أصحاب التوجه الليبرالي الجديد على مكاسب الطبقة العاملة وحقوقها المشروعة (تعديل قانون العمل 91، التعليمات التنفيذية للقانون 50). وقطع الطريق عليها مستقبلاً بإمكان الدفاع عن تلك الحقوق، أي أن الليبراليين الجدد يريدون طبقة عاملة مكشوفة الظهر، خاصة وأن هؤلاء الجهابذة يستندون إلى خبرة عالية في الالتفاف على الطبقة العاملة وحقوقها (استقالات مسبقة، براءة ذمة مسبقة، تسجيل بالتأمينات  الاجتماعية بأقل من الراتب الحقيقي، حرمان العمال من الترفيعات الدورية، حرمان العمال من زيادة الرواتب و العقد شريعة المتعاقدين). مستخدمين أسلوب العصا والجزرة، هذا الأٍسلوب القديم الجديد، الذي يتجلى بأبشع صورة على عمال القطاع الخاص، حيث يعيش هؤلاء العمال قلقاً حقيقياً على حياة أطفالهم ومستقبلهم المهني المهدد دائماً من أرباب العمل، أمام أعين الجميع وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث تجري تغطية كل مايقترفونه من آثام واستغلال بحق هؤلاء العمال.

إنه لمن المؤلم أن نسمع العديد من القيادات النقابية تقول إننا لانستطيع أن ندخل المنشآت التي يعمل بها العمال بسبب ممانعة أرباب العمل لذلك، وبالتالي تكون الصلة بهؤلاء العمال مرهونة بمدى سماح أو عدم سماح أرباب العمل بذلك، حيث يعيدنا هذا إلى عهود سابقة عندما كانت النقابات تعمل بشكل سري كالأحزاب لتنظيم العمال في صفوفها خوفاً من المجاهرة بالعلاقة معهم، لأن ذلك سيسبب أذى لهؤلاء العمال قد يصل إلى حرمانهم من حق العمل والحياة، دون أن تستطيع منظمتهم النقابية فعل شيء بهذا الخصوص وهناك حالات كثيرة لامجال لذكرها بهذا السياق.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف ستستطيع النقابات في ظل المتغيرات، الآن، وغدا،ً إعادة الدور الكفاحي والمستقل للنقابات كقوة وطنية حامية لقوة العمل وحقوقها؟!