بصراحة ما يحدث الآن محاولة توفيق بين الذئب والحمل
جرت خلال العام المنصرم أحداث وتطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية كثيرة، و فرضت تلك التطورات نقاشات، وحوارات هامة، وخاصة في ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية. وقد عكس هذا الوضع نفسه بقوة على الشارع، وعلى القوى السياسية، وما يهمنا هو انعكاس الوضع الاقتصادي على الطبقة العاملة، وبالتالي جملة المواقف التي برزت كردود أفعال على هذه التطورات، وخاصة ردة فعل الحركة النقابية على ما يجري،
حيث عكست المؤتمرات العديدة التي عقدتها الحركة النقابية سواء اتحادات المحافظات أو الاتحاد العام، عكست تلك المؤتمرات الإرهاصات التي تعيش فيها الحركة النقابية، والقلق الذي ينتابها من جراء ما تقوم به الحكومة من إجراءات تعكس بمجملها تحولات حقيقية باتجاه اقتصاد السوق الحر كما عبر عن ذلك الدكتور منير الحمش، ولا يمكن أن يخفي ذلك ادعاؤها المتكرر بحفاظها على قطاع الدولة، وإنها تسعى إلى تطويره وتخليصه من المعوقات التي تعترض طريق خلاصه من مشاكله المستعصية، والتي أوصلته إلى الزاوية الحرجة، وكما وعدنا بذلك عبدلله الدردري عبر مجموعة من الأرقام والإحصاءات منذ الآن وحتى عام 2010 طبعا ًكل الوعود ستححق بمعونة الله سبحانه وتعالى والقطاع الخاص الشريك الأول والأخير في عملية التنمية.. القضاء على البطالة، وتخفيض مستوى الفقر إلى 8.7% وخلق 1.250 فرصة عمل وتخفيض عجز الموازنة إلى 5%.
إن الخروج من المأزق الاقتصادي يحتاج إلى جهود وطنية حقيقية من مختلف القوى التي همها التصدي داخلياً وخارجياً للمشروع الإمبريالي الأمريكي، ومن الطبيعي أن تكون الحركة النقابية جزءاً لا يتجزأ من هذه القوى لأسباب عديدة يعرفها الجميع، والتي لايريد البعض أن يتذكر ويعرف الدور الذي لعبته الطبقة العاملة وحركتها النقابية وطنياً وطبقياً من خلال ما قامت به من إضرابات واعتصامات ومقاطعة للبضائع الأجنبية حماية للمنتج الوطني، ونضالها المطلبي أيضاً من أجل تـأسيس نقابات مستقلة وتوحيد النقابات في اتحاد واحد، إصدار قانون للعمل وضمانات اجتماعية مختلفة وزيادة الأجور، مستخدمة كل أشكال النضال ابتداء من العريضة وصولاً إلى الإضراب الذي شكّل ويشكل السلاح الهام والفعال بيد الطبقة العاملة، والذي ينكره عليها كثيرون تحت حجج واهية قد تخطاها الزمن، وهذا ماجرى في ندوة الثلاثاء الاقتصادية والتي دار فيها نقاش حول (دور النقابات في اقتصاد السوق الاجتماعي)، والتي حاول فيها المحاضر عكس وجهة نظر قيادة الحركة النقابية في العديد من القضايا ومنها:
1. الموقف من الليبرالية والاقتصاد ووصفات صندوق النقد الدولي.
2. تحديد استراتيجيات للحركة النقابية ووضع برامج للتخفيف من آثار الانفتاح الاقتصادي على مكتسبات الطبقة العاملة.
3. الموقف من الحكومة وموقع الحركة النقابية من المشاركة في صناعة القرار الاقتصادي، حيث اعتبر الاتحاد نفسه شريكاً أساسياً في كل مايتعلق بالعملية التنموية على مختلف الصعد في سورية، وتحمله مسؤولية إدارة الاقتصاد الوطني.
مبدياً تخوفه في الوقت نفسه من الشراكات التي أتمتها الحكومة سواء منها العربية أو غيرها، من حيث انعكاسها سلباً على مصالح الطبقة العاملة ومكاسبها، وهو تخوف مشروع، ولكن لاندري كيف سيتم التصدي له.
إن معظم ماطرحه المحاضر لايتعدى أن يكون في معظمه برنامج للحكومة في الحركة النقابية ولايعكس تماماً مايقدمه النقابيون في مؤتمراتهم من أطروحات ومواقف صائبة تنم عن إحساس عالٍ بمخاطر مايجري وماتمارسه الحكومة بالتفريط بما أنجز في مراحل سابقة على مذبح اللهاث وراء مكاسب لايمكن أن تصنف في خانة المصلحة الوطنية ومصالح الشعب السوري، ولايمكن اعتبارها من مقومات الصمود الوطني، وتحسين الظروف المعيشية للفقراء من أبناء شعبنا ومنهم الطبقة العاملة.
إن الوضع السائد الآن يحمل مخاطر جدية على مصالح ومكاسب العمال، فكيف تستطيع مقولة (نحن والحكومة فريق عمل واحد، ونحن شركاء في صنع القرارات الاقتصادية ومسؤولون مع الحكومة في عمليات التنمية . . . إلخ )مع إجراءات للخصخصة وطرح المعامل الرابحة للاستثمار، وبالتعليمات التنفيذية للقانون 50، وبعدم صرف رواتب العمال لأشهر عديدة في العديد من الشركات الإنشائية، عدم دفع الزيادات لعمال القطاع الخاص حيث لم تحرك الحكومة والنقابات ساكناً، ومحاولات التسريح العديدة التي تجري تحت مسميات مكافحة الفساد وكأن الفساد ينطلق من الأسفل دون الأعلى، ونقل عمال الشركات الإنشائية تحت مسميات فائض العمالة، عدم خضوع العمال في المشاريع المقامة على أساس قانون الاستثمار رقم 10 لقوانين العمل السورية، عدم تنفيذ العديد العديد من الأحكام القطعية لصالح دعوى عمالية مقامة منهم عمال شركة شل، عمال النفط وغيرهم، أموال التأمينات التي خسرتها الطبقة العاملة، العديد من القضايا المطلبية التي تطرح في المؤتمرات وتدور من عام لعام، وغيرها وغيرها من القضايا.
إن الخطوة الهامة والضرورية والجريئة الآن تتمثل بعقد مؤتمر استثنائي للحركة النقابية يجري تحديد المهمات الأساسية والخطوات الضرورية اللازمة التي ستحدد مسار الحركة النقابية والطبقة العاملة في المرحلة القادمة، وعلى ضوء المتغيرات التي جرت وتجري بما يعزز الدور الوطني للحركة النقابية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتبني برنامج يلبي مصالح الطبقة العاملة وفي القلب منه قضية الأجور والتوزيع العادل للدخل الوطني عوضاً عن التوفيق بين مصالح الذئب والحمل.