الطبقة العاملة السورية وخياراتها؟
اتسم نضال الطبقة العاملة السورية منذ أن أسَّست نقاباتها الأولى وحتى بدايات العقد السادس من القرن الفائت، بحراك مستمر، سياسي ونقابي على الأرض، جرى التعبير عنه بالاعتصامات والإضرابات الواسعة التي قام بها العمال دفاعاً عن حقوقهم المنتزعة من أرباب العمل، أو من أجل حقوق جديدة تبرز هنا أو هناك بفعل تطور الحياة ومتطلباتها، وتطور الوعي النقابي والعمالي بضرورة تحسين مستوى المعيشة وتحسين شروط العمل، حيث عملت البرجوازية الصاعدة مراراً وتكراراً على حصار الطبقة العاملة بقوانين وتشريعات وممارسات تحدُّ من إمكانيات العمال وقدراتهم على الدفاع عن حقوقهم ومكاسبهم.
إزاء هذه الأوضاع والشروط غير العادلة التي تُفرَض على العمال، كان لابد أن يجد العمال الأشكال والطرق والوسائل الكفيلة التي تحسِّن من أدائهم النضالي، وتطوره باتجاه الدفاع عن حقوقهم وانتزاع المزيد منها، وكان سلاحهم في ذلك تطوُّر أداتهم التنظيمية وصلابتها ووحدة إرادتها، ألا وهي النقابات، التي تأسست في غمرة النضال الوطني والطبقي، واكتسبت شرعية تمثيلها للطبقة العاملة وقيادتها لها من خلال انخراط قيادتها في النضال المباشر جنباً إلى جنب مع العمال.
الطبقة العاملة والقوى التقدمية
وفي هذا السياق فقد ساعد الطبقةَ العاملة وحركتَها النقابية بتطوير نضالها، الدورُ الخاص الذي لعبته الأحزاب الوطنية والتقدمية بنقل الوعي للطبقة العاملة مسلِّحةً إياها ببرامجها وخبراتها التي اكتسبتها في مجرى الصراع الوطني والطبقي الذي كانت تخوضه تلك القوى، وعلى رأسها الشيوعيون السوريون، بمواجهة الاستعمار الفرنسي والقوى البرجوازية الصاعدة التي عملت على قطف ثمار الاستقلال وتجييره لحسابها الخاص.
إن التلاقح الذي جرى بين الطبقة العاملة والقوى التقدمية قد عزز دور الحركة العمالية في المجتمع، وأصبحت إحدى القوى الأساسية المنوط بها مهام كبيرة، وعلى رأسها الدفاع عن التوزيع العادل للثروة والاقتصاد الوطني الملبي لمصالح الشعب السوري في تحقيق النمو المطلوب لتنميه حقيقية، ومازالت هذه المهام جزءاً أساسياً من نضال الطبقة العاملة السورية.
آثار التحولات الاقتصادية والاجتماعية
جملة ما جرى خلال العقدين الماضيين من تحولات اقتصادية واجتماعية، وخاصةً مع تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، قد فعلت فعلها من حيث نتائجها المباشرة على الطبقة العاملة والتي منها:
ضعف شديد في أجورها الحقيقية وتآكلها.
انخفاض مستوى معيشة العمال بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني.
الاعتداء على حقوق الطبقة الكادحة وإنكار حق العمل الذي كفله الدستور السوري بسبب خضوع قوة العمل لقانون السوق المتوحش.
4- حسب البيانات الصادرة، هناك 43 شركة عامة خاسرة، وبسبب هذا التخسير يفقد العمال حوافزهم الإنتاجية، بالإضافة لتخفيض المبالغ المخصصة للعلاج والتداوي من ميزانيات الشركات، وإلغاء العديد من المزايا التي حصل عليها العمال.
عدم حصول العمال في القطاع الخاص على الزيادات الطارئة على أجورهم، وحرمانهم من كثير من الحقوق الأخرى، وأهمها: تسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية، وحقهم في الزيادات الدورية والإجازات المختلفة والطبابة... إلخ.
في ظل الأحداث الجارية وما قبلها، تم تسريح أعداد كبيرة من العمال، وحسب تقارير التأمينات الاجتماعية أنه تم تسريح ما يقارب 200000 ألف عامل مسجلين بالتأمينات الاجتماعية.
التساؤلات المشروعة
للطبقة العاملة
إن واقع الطبقة العاملة الحالي، بسبب ما تعرضت له من هجوم على حقوقها ومكاسبها خلال الأعوام السابقة، قد جعل العمال يطرحون تساؤلات كثيرة حول المسببات، وهم بهذه التساؤلات يتوصلون إلى إجابات يستنتجونها من مشاهداتهم اليومية، ومن خبرتهم المتراكمة في طرح قضاياهم ومطالبهم التي في معظمها لا تلقى الإجابة بل التسويف والتأجيل.
إن تراكم القضايا المطلبية للعمال عاماً بعد آخر دون حلول حقيقية، أوجد عند العمال حالة متزايدة من الاستياء والتذمر، كان يجري التعبير عنها أحياناً بالإضراب المحدود، كما حصل في بعض الشركات الخاصة عندما لا يحصلون على الزيادات في أجورهم لمدد زمنية طويلة، مع الاستمرار في ارتفاع الأسعار، أو الشكل الأخر الذي يعبرون فيه عن تلك المطالب أثناء المؤتمرات النقابية.
عمال القطاع الخاص محكومون بشروط عمل قاسية، وبقوانين جائرة تحد من حركتهم الاحتجاجية العلنية، ومع هذا فقد جرى في أكثر من معمل في القطاع الخاص اعتصامات داخل المعامل وإضرابات في مواقع أخرى، مطالبة بزيادة أجورهم وحقوقهم الذي تُسلب منهم جهاراً نهاراً، وهذا الحراك العمالي البسيط في شكله والعميق في مضمونه فإنه يؤسس لموقف عمالي عام سيوحد الحركة العمالية في نضالها اليومي، التي تغيبُ عنه تقريباً قيادة الحركة النقابية، والتي من المفترض أنها ترعاه وتقوده باتجاه تعديل موازين القوى المختل تماماً لمصلحة رأس المال وقوى السوق المتحالفة في مصالحها وأهدافها، مع من تبنى السياسات الاقتصادية الليبرالية، وعمل على تطبيقها، فكانت النتائج المترتبة كارثية على الشعب السوري، ومنهم الطبقة العاملة السورية.
لماذا الحراك العمالي الصامت والعلني يجري
بعيداً عن النقابات والأحزاب؟
قد يقول قائل: إن الحراك العمالي الذي تحدثنا عنه ليس موجوداً بأشكاله العلنية، كالإضرابات والاعتصامات، وهذا صحيح، ولكن من قال إن الحراك هو هذا الشكل العلني فقط، بل الحراك الأعمق هو ما يدور داخل الحركة العمالية في المواقع الإنتاجية في القطاعين العام والخاص، حول قضاياهم المختلفة، وخاصة تلك التساؤلات التي تدور في الأوساط العمالية عن مستوى أجورهم المتدني، بينما هناك من يحصل على الملايين دون حساب أو مسائلة من أين لك هذه الملايين ؟ في الوقت الذي يطلب من العمال شَدّ الأحزمة على البطون وعدم المطالبة بالحقوق لأن البلاد بأزمة، وكأن الأزمة فقط على الفقراء والعمال، ومن ينهب قوت الشعب وثروته ليس مطلوباً منه تحمل تبعات الأزمة، وأخيراً مع هذا المشهد المأساوي يأتي من يقول والمفترض به أن لا يقول هذا: لا نستطيع أن نطالب الحكومة بزيادة الأجور لأننا بأزمة، ويجري الاعتراف بالوقت نفسه أن أجور العمال لا تكفي ثمن خبز وأن العمال يعملون بوطنيتهم، والسؤال: ناهبي قوت الشعب بماذا يعملون؟!.
إن استمرار تصالح النقابات مع الحكومات الليبرالية سيعمق أزمة الطبقة العاملة، ويجعل حقوقها السياسية والاقتصادية والديمقراطية مرهونة لهذه العلاقة، مما يجعل إمكانية تحرك الحركة العمالية بشكل مستقل أمراً واقعاً عند توفر الظروف السياسية المناسبة التي تُمكّن الطبقة العاملة من الدفاع عن حقوقها ومكاسبها.