اللجنة النقابية.. من الراهن إلى المستقبل
عادل ياسين عادل ياسين

اللجنة النقابية.. من الراهن إلى المستقبل

نشطت بعض النقابات مؤخراً في الدعوة لعقد محاضرات حول دور اللجان النقابية ومهامها في مختلف المواقع، وهذا مفيد من الناحية العامة خاصةً إذا ما كان الحضور هم من ذوي العلاقة المباشرة بالمواقع الانتاجية وغيرها، وإذا ما ترافقت تلك المحاضرات بنقاش مفتوح مع اللجان الحاضرة كونها تعيش التجربة الحية لصلتها مع العمال ومواقع العمل، ولكن اللافت للنظر بهذه الدعوات أن حضور اللجان النقابية للقطاع الخاص كان قليلاً وهذا يعكس ضعف تمثيل القطاع الخاص في الحركة النقابية ولهذا الموضوع أسبابة التي ستأتي بسياق النص.

 

إن النقاش المعمق لدور اللجان النقابية ومهامها يكتسب أهميته ليس راهناً فقط بل للقادم من الأيام، التي تتضح فيها الرسائل المرسلة سواء من الحكومة عبر تأكيدها السير قدماً في نهج السياسات الاقتصادية الليبرالية أو من ممثلي قوى الرأس مال الذين يصرون على تعديل القانون 17 وفق مصالحهم أكثر، حيث بات هذا القانون متخلفاً من حيث تأمين مصالح قوى الرأسمال ولا يتماشى مع دورهم القائم حالياً بجانبه الاقتصادي، والمطلوب أن لا تكون هناك أية ثغرة تمكن العمال وممثليهم المفترضين من الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم بالوسائل المشروعة كافة بما فيها حق العمال بالإضراب الذي كفله الدستور السوري ولم تتبناه إلى هذه اللحظة الحركة النقابية، بالرغم من أن الطبقة العاملة السورية تمارسه كونه موضوعياً أصبح ضرورة لكي يمارس، من أجل خلق توازن حقيقي بين قوة العمل « العمال » ورأس المال ودون انتزاع هذا التوازن لا يمكن للطبقة العاملة من الحصول على حقوقها الاقتصادية والسياسية والديمقراطية.

اللجنة النقابية الخلية الأولى للتنظيم

تعتبر اللجنة النقابية الخلية الأولى للتنظيم النقابي، وهي اللبنة الأولى في الهرم التنظيمي للحركة النقابية، ولهذه الاعتبارات فإن اللجنة النقابية في المصانع ـ والمواقع الإنتاجية، لها الدور المفصلي في تنفيذ المهام النقابية المختلفة التي تواجه الحركة النقابية للأسباب التالية:

1 ـ اللجنة النقابية المفترض أنها منتخبة من عمال التجمع مباشرة.

2 ـ على صلة حية بظروف العمل، وشروط العمل، وأثرها على العمال سلباً أو إيجاباً.

3 ـ على تماس مباشر بالعمال، وهمومهم الخاصة، والعامة.

4 ـ على معرفة تامة بالقضايا الإنتاجية، والإدارية، وما يتعلق بالتجمع كله.

5 ـ لها شرعية في حركتها وصلتها، وصلاحياتها حسب قانون التنظيم النقابي 84.

 لتلك الاعتبارات التي ذكرت فإن اللجان النقابية تقع على عاتقها مهام كثيرة وكبيرة في موقع عملها، حيث يعطيها حق اختيار أعضائها مباشرةً من قبل العمال والذين هم على دراية وخبرة بأعضائها المنتخبين، القوة اللازمة والضرورية التي تمكنهم من أداء مهامهم في الدفاع عن حقوق العمال ومكاسبهم، وكذلك النضال من أجل حقوق جديدة تفرضها شروط وظروف العمل، بالإضافة إلى أن العمال وأثناء دفاعهم عن حقوقهم فهم يدافعون أيضاً عن منشآتهم ومواقع إنتاجهم، وبحال تراجع الشق الأول فإن تداعيات هذا التراجع ستطال الجانب الآخر (المنشآت والإنتاج) بكل تأكيد.

خيارات العمال باللجان النقابية؟

إذا تمكن العمال من اختيار ممثليهم وفق إرادتهم، فإن هذا الاختيار سيمكّن من إيجاد لجان نقابية، ومناضلين نقابيين صلبين في الدفاع عن قضاياهم وحقوقهم، غير خاضعين لضغط الامتيازات والمكاسب، خاصة التي تقدمها الإدارات لرشوة العديد من النقابيين فتحولهم إلى خدماً لها بدلاً من أن يكونوا مدافعين عن العمال، وهذا يستدعي إعادة النظر بآلية تقديم ممثلي العمال في الإدارات والمجالس الإنتاجية، وذلك بأن يكونوا خاضعين لرقابة العمال المباشرة، وللعمال الحق بسحب الثقة منهم في حال عدم قيامهم بواجبهم النقابي، على أن يكونوا منتخبين مباشرة من عمال التجمع.

إن قانون التنظيم النقابي (84) قد حدد مهام اللجان النقابية وصلاحياتها في مواقعها، كما جاء في المواد (14، 15، 16)، حيث حولت اللجان النقابية إلى مورّد للمعلومات التي تمد بها مكاتب النقابات، وإلى مراقب لمدى تقيد الإدارات بقضايا الصحة والسلامة المهنية، والأمن الصناعي ....الخ، وكذلك حث العمال على زيادة الإنتاج والمباريات الإنتاجية.

إن تحديد مهام اللجان النقابية بتلك القضايا على أهميتها، أفقد هذه اللجان والحركة النقابية، وكذلك حرم العمال قانونياً، من ممارسةً حقهم الطبيعي الذي نصت عليه قوانين العمل العربية والدولية في استخدام الوسائل الممكنة كلها للدفاع عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق الإضراب والاعتصام من أجل زيادة الأجور وفق سلم متحرك، زيادةً تتناسب مع تكاليف المعيشة التي هي في ارتفاع مستمر مع بقاء الأجور تراوح مكانها دون زيادة حقيقية تلبي تطلع العمال بحياة أفضل.

«نحن والحكومة شركاء» إلى أين أوصل العمال؟

لقد اقتصر النضال النقابي على قاعدة «نحن والحكومة شركاء»، و«نحن والحكومة فريق عمل واحد»، مما فرض شكلاً وحيداً للنضال المطلبي يعتمد على المذكرات والمراسلات بين الحكومة والجهات التابعة لها، والحركة النقابية، وهذا الأسلوب قد يكون مفيداً أحياناً للتذكير بالمطالب، ولكن ليس مجدياً في كثير من الأحيان مما يتطلب استخدام الوسائل المتاحة كلها، التي خبرتها الطبقة العاملة السورية، والتي كانت عاملاً مهماً في توحيدها كطبقة لا يمكن التغاضي عن مطالبها وحقوقها.

أوضاع مستجدة تتطلب مهام جديدة

إن الحركة العمالية مقبلة على أوضاع جديدة، في ظل ظروف ومستجدات اقتصادية، وسياسية، واجتماعية تزداد تعقيداً، مما يعني ازدياد الضغوط على حقوق ومكاسب العمال، مما يستدعي، إعادة النظر بقانون التنظيم النقابي من حيث الدور والمهمات، والصلاحيات، بالشكل الذي يمكّن الحركة النقابية من التصدي الحازم لتلك المهام التي يفرضها الواقع الحالي المتبدل، خاصة مع تبني اقتصاد السوق الاجتماعي كنهج يحدد طبيعة الاقتصاد السوري، والذي على أساسه تُبنى السياسات الاقتصادية الحكومية، وغير الحكومية، مما يعني خضوع كل شيء لقوانين السوق، بما فيها حقوق العمال سواء في القطاع العام، أو الخاص. فالوضع بالنسبة لعمال القطاع الخاص يزداد سوءاً، لأنهم خاضعون لشروط مختلفة عن عمال القطاع العام من حيث شمولهم بالمظلة التأمينية والنقابية، وشروط العمل، ودرجة الاستغلال. والذي يزيد الطين بلة بهذا الخصوص صعوبة الوصول لعمال القطاع الخاص للممانعة التي يبديها أرباب العمل، ولضعف أداء الحركة النقابية من أجل جذبهم إلى النقابات، مما يجعل العمال بهذه التجمعات خاضعين تماماً لشروط أرباب العمل، وحتى التجمعات التي فيها لجاناً نقابية، فإن رب العمل يتدخل بشكل مباشر في تركيب هذه اللجان بحيث تكون منسجمة إلى حد بعيد مع شروطه، أي تكون تلك اللجان فاقدة لدورها المفترض بالدفاع عن عمال التجمع، وهذا ما تؤكد عليه الوقائع اليومية التي يعيشها عمال القطاع الخاص، من عدم زيادة أجورهم، وعدم تسجيلهم بالتأمينات، وإن سجلوا فيكون بالحد الأدنى من رواتبهم، الاستقالات، وبراءات الذمة المسبقة السيف المسلط على رقابهم في حال إبداء أية مقاومة أو مطالبة بحقوق.

إن إعادة النظر بمهام وصلاحيات اللجان النقابية وفق المستجدات الحاصلة، والتي لا بد أن تُنتخب وفق إرادة العمال واختيارهم الحر، الذي سيعكس نفسه بالضرورة على مجمل الحركة النقابية من حيث أدائها لمهامها النضالية التي تفرضها طبيعة الصراع يبن العمل والرأسمال أينما كان موقعه.

 

آخر تعديل على الأحد, 18 أيلول/سبتمبر 2016 13:48