القطاع العام.. محاولة اغتيال معلنة
رغم عودة الاستقرار إلى العديد من المناطق التي تحتضن منشآت صناعية، لا تبدي الحكومة أية بادرة للنهوض بما دُمّر أو خُرب أو نُهب بفعل الحرب، إلا على مستويات ضيقة لا ترتقي بالإنتاج إلى مستوى يلبي حاجات البلد الحقيقية، أو يحقق الاستثمار الأمثل للإمكانات المتاحة بالفعل ضمن المعامل.
فمعظم المعامل اليوم لا تعمل بطاقتها الإنتاجية الكاملة وإنما بحدودها الدنيا، وبالتالي فهي تتكبد خسائر تفاقم من أزمات الصناعة السورية بدلاً من ردم الهوة التي خلفتها سنوات الحرب، ويترتب على ذلك آثار كثيرة؛ أولها اكتفاء المعمل بعدد محدود من العمال لا يزيد عن نصف عددهم في السابق، وحرمان العمال على رأس عملهم من كثير من حقوقهم وعلى رأسها الحوافز، وعدم استقطاب أيد عاملة شابة إلى قوة العمل، وذلك كله بحجة تدني مستوى الأرباح وتراجع الإنتاج، وهذه الأعذار ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون ووضعٍ العربة أمام الحصان.
بدائل متواضعة
اكتفت كثير من المعامل بأعمال التعبئة والتغليف بدلاً من الإنتاج، واستبدلت أخرى المنتجات المعقدة ببدائل سهلة الإنتاج وقليلة التكلفة والمردود، مثل: اكتفاء الشركة العامة لتجفيف البصل بتغليف الحبوب، واكتفاء شركة سار للمنظفات بإنتاج بعض مواد التنظيف دون أخرى.
خطوط إنتاج متوقفة
وفي ظل اكتفاء أغلب المنشآت المستمرة بالإنتاج بعدد محدود من العمال، فلا عجب أن نجد كثيراً من خطوط الإنتاج متوقفةً عن العمل، لا لأسباب تقنية أو مالية وإنما لنقص العنصر البشري الذي يفترض أن يعمل على هذه الخطوط، ما يعيد إلى الذهن التساؤل المشروع القائل: «ما الذي تنتظره الحكومة حتى تعيد الأمور لنصابها، وتعيد تشغيل هذه الخطوط بما يرفع من الإنتاجية ويقلص عجز القطاع العام؟».
آلات معطلة!
على صعيد مواز تعاني معامل أخرى من تعطل بعض آلاتها، وعدم صيانتها بحجة الحاجة إلى القطع الأجنبي، أو فقدان الصلات مع الدول المنتجة لقطع التبديل بفعل الحصار الاقتصادي، رغم أن ثمة مصادر تؤكد أن بعض قطع التبديل يمكن إنتاجها محلياً، وبالتالي إمكانية إعادة تشغيل بعض الآلات ولو بشكل جزئي.
حلقة مفقودة
وإذا كانت الأزمة قد فعلت فعلها بالاقتصاد السوري وعادت بالصناعات الوطنية عقوداً إلى الوراء، فإن ذلك كله لا يبرر بأية حال من الأحوال التقاعس الحكومي الواضح عن النهوض بمنشآت القطاع العام، والذي يتجلى بوضوح في مناح عدة أبرزها كما أسلفنا، الاكتفاء بعدد محدود من العمال في كثير من المعامل رغم حاجتها الماسة إلى أيد عاملة تنهض بصناعاتها، إلى جانب ما يبدو أنه عدم رغبة في إصلاح ما تعطل أو استئناف ما توقف من العمل في القطاع الصناعي العام.
الوصفة السحرية
يبدو أن ما يعانيه القطاع العام الصناعي كله من صعوبات؛ إنما يحتاج إلى وصفة سحرية تقدمها الحكومة وتسوق لها على كل منبر تعتليه، والتي كان آخرها المجلس العام للاتحاد العام لنقابات العمال.
إن هذه الوصفة الخطيرة التي باتت مكشوفة للجميع تحت مسمى التشاركية مع القطاع الخاص، ما هي في الواقع إلا تذكرة عبور لرؤوس الأموال الخاصة لتمر من خلالها فوق إنجازات ومكتسبات القطاع العام، هذا القطاع الذي يشكل اليوم الحصن الأخير الذي تحتمي به مصالح الطبقات الفقيرة من المجتمع السوري. وتصر الحكومة اليوم على فكرة أن القطاع العام عاجز بمفرده عن العودة إلى سابق عهده بفعل الدمار الذي خلفته الحرب، مدّعية أن الحل الوحيد يكمن في اعتماد مبدأ التشاركية كحل لمساعدة القطاع العام الصناعي على النهوض، وذلك رغم أن المؤشرات جميعها على أرض الواقع تشير إلى عدم رغبة المواطن السوري بخصخصة منشآت القطاع العام تحت أية مسمى، وأن العمال لن يتنازلوا عن منشآتهم لتكون فريسة سهلة لأصحاب رؤوس الأموال.