شركة اسمنت طرطوس منشأة استراتيجية رابحة.. فلماذا التخلي عنها؟

في كل يوم جديد، مشروع جديد للخصخصة، يطرحه الفريق الاقتصادي، ضد شركة من شركات القطاع العام الرابحة، وبما أنه رغم كل شيء، مازال في هذا الوطن، من يدافع عن القطاع العام ومكتسباته وإنحازاته، فقد وجه الاتحاد العام للعمال، كتاباً للقيادة القطرية، يعترض فيه على طرح شركة اسمنت طرطوس للخصخصة والاستثمار، جاء فيه:

«القيادة القطرية، مكتب العمال والفلاحين، تحية عربية...

يعتبر قطاع صناعة الاسمنت من القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية، دوراً مهما للغاية خلال العقود الماضية، وتتزايد الحاجة إلى هذا الدور، سيّما وأننا مقبلون على مرحلة من التوسع العمراني والإنشائي سوف تؤدي إلى زيادة في الطلب على الإسمنت، بالإضافة إلى مواد البناء الأخرى، ما يقتضي أن تلعب الدولة والقطاع العام دوراً متزايداً في هذه الصناعة، وترتب هذه المسألة دعمه وإيلاءه العناية اللازمة والاستثنائية.

تعاني شركات المؤسسة العامة للإسمنت من قصور الطاقات الإنتاجية في تلبية حجم الطلب المتزايد على الإسمنت، بسبب عدم تأمين السيولة اللازمة لتطوير خطوط الإنتاج، وسبب عدم توفر السيولة هو الإجراءات المالية المتبعة، والتي كانت تقضي بترحيل الفوائض الاقتصادية لشركات الإسمنت، وشركات القطاع العام الأخرى، إلى خزينة الدولة، على أن يتم التمويل اللازم لتلبية حاجات هذه الشركات لتطوير خطوطها وتأمين حاجة السوق المحلية من الإسمنت، وإن كان إقلاع الخط الإنتاجي الجديد في حماة قد حد من هذا القصور نسبياً، ويمكن من خلاله تلافي النقص وزيادة الكميات المنتجة، إلا أن وزارة الصناعة وبموافقة اللجنة الاقتصادية وجهت إدارة شركة إسمنت طرطوس إلى دراسة مشروع مذكرة تفاهم مع شركة غيث فرعون للاستثمار التجاري، تقضي بأن تقوم هذه الشركة بمهام الإدارة الإنتاجية، والحصول بالمقابل على الكميات المنتجة الإضافية، (الإنتاج ناقصاً إنتاج السنة السابقة للمباشرة) في حال إعفائها من الضرائب، ولمدة ثلاث سنوات، وخمس سنوات في حال تكليفها بها، مقابل أن تتعهد بتطوير خطوط الإنتاج وتحسين جودة المنتج وتدرب بعض الفنيين والعمال وتحسين الشروط البيئية المحيطة. ومن جهة ثانية ترتب مذكرة التفاهم على شركة إسمنت طرطوس تقديم العمالة «الضرورية» مدفوعة الأجر والبدلات وتقديم الآلات وقطع الغيار والمعدات اللازمة، بناء على طلب مسبق من شركة فرعون دون تحديد مصير باقي العمالة القائمة حالياً.

وإذ يجد الاتحاد العام لنقابات العمال نفسه معنياً مباشرة بهذه القضية (إصلاح القطاع العام وتمكينه من العمل بكفاءة اقتصادية). فإنه يضع الملاحظات التالية حول مذكرة التفاهم:

أولاً: في الجانب القانوني:

ـ لا يوجد في القانون رقم 51 لعام 2004 أية مادة تجيز تأهيل وتطوير أي من شركات القطاع العام من قبل الغير. وإنما حددت المواد 73ـ76 طريقة بيع عقارات الجهات العامة، أو إيجارها أو استثمارها، أي أن هذه المواد أجازت استثمار العقارات العائدة ملكيتها لجهات القطاع العام وليس الجهات العامة نفسها.

ـ جرى إعداد مذكرة التفاهم في غياب السند القانوني الكافي، فيما عدا موافقة اللجنة الاقتصادية وقد جرى بطريقة العقد بالتراضي مسنوداً إلى القانون 51 لعام 2004، ولم تقم إدارة الشركة أو المؤسسة بالإعلان، أو وضع دفتر شروط فنية لاستقدام عروض للاستثمار أو التطوير، بل المستثمر قدم عرضاً حول إلى الجهات المعنية وإلى إدارة الشركة.

ثانياً: في الجوانب الاقتصادية والمالية:

1ـ تبين من مذكرة التفاهم أنه تمت المحافظة على نسب استهلاك مستلزمات الإنتاج كما في السنة السابقة للعقد، في حين أن زيادة الإنتاج تفترض من حيث المبدأ ضمان انخفاض المستلزمات على مستوى وحدة الإنتاج.

2 ـ نصت المذكرة على أن تقوم شركة إسمنت طرطوس بتسديد قيمة مستلزمات الإنتاج كاملة، ومن ثم يتم استرداد قيمة الإسمنت المسلم لمجموعة فرعون بسعر التكلفة. ما سيحمل شركة إسمنت طرطوس عبء تأمين رأس المال العامل الكافي لتسديد قيمة المستلزمات لإنتاج 2150 ألف طن دون أي ربح مقابله، بينما ستبلغ قيمة أرباح المستثمر خلال سنوات العقد الثلاث (4.074) مليار ل.س عند سعر محلي (6000) ل.س/طن، ونصت المذكرة على حق الفريق الثاني باستلام حصته والتصرف بها بالشكل والطريقة والسعر المناسب له.

ـ تعتبر شركات الإسمنت، ومنها شركة طرطوس، من الشركات الرابحة، وهي بإمكاناتها الذاتية، فيما لو احتفظت بفوائضها الاقتصادية، قادرة على تطوير خطوط الإنتاج، وبالتالي زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية، دون الاضطرار للجوء إلى المستثمرين من القطاع الخاص، المحليين أو من الخارج، ولقد أتاح القانون المالي الأساسي للدولة، إمكانية تحقيق هذا الشرط من حيث إتاحة احتفاظ شركات القطاع العام الاقتصادي بفوائضها إلى الخزينة العامة. ويعتبر الشرط المالي وتوفير السيولة، شرطاً لازماً وغير كاف، حيث أن الكفاية سوف تتحقق من خلال إعطاء إدارة مؤسسة وشركات الإسمنت، المرونة الكافية لإبرام العقود، ضمن أطر قانونية تحافظ على المال العام، لتوريد ما يلزم من الآلات والأدوات والمعدات اللازمة لتطوير خطوط الإنتاج.

ثالثاً: في الجوانب الفنية:

لم توضح مذكرة التفاهم نقطتين أساسيتين أولاهما: ما هي التجهيزات والنقاط التي سوف يتناولها التطوير وماهية الاستثمارات التي تدفع لذلك، وثانيهما: ما هي الضمانات في تحقيق الهدف والتزامات الفريق الثاني ومسؤولياته في حال عدمه. كما تقضي بنود مذكرة التفاهم بتسلم الفريق الثاني الإشراف على إدارة الإنتاج والإدارة الفنية والتأمينية، ما يلغي أي دور للشركة، بينما تحمل كافة التكاليف الإنتاجية والتأمينية بما فيها تأمين القطع التبديلية.

ـ ما فائدة شركة الإسمنت إذا كانت الكمية التي تنتجها حالياً (1450) ألف طن، هي نفسها التي ستستلمها من المستثمر؟! والزيادة في الإنتاج ستعود لصالح المستثمر. ما فائدة الشركة من هذه الزيادة، مع العلم أن المستثمر له الحرية بالتصرف بحصته بالطريقة التي تناسبه؟. كما أن عرض المستثمر لم يتضمن تخفيض التكاليف، ويعتبر معيار التكاليف هو نفسه للسنة السابقة للاستثمار.

إن المتابعة في إبرام مذكرة التفاهم ستكون منطلقاً لطرح شركات القطاع العام المنتجة والرابحة، وذات الطابع الاستراتيجي للاستثمار.

وقد أكدت توجيهات رئيس الجمهورية دائماً على إصلاح القطاع العام وتطويره، وتمكينه من العمل بكفاءة اقتصادية والحفاظ على وظائفه الاجتماعية، وتفعيل دوره ومعالجة صعوباته، ومن هذا المنطلق فإن الاتحاد العام لنقابات العمال. يوصي بإلغاء مذكرة التفاهم التي نحن بصددها، وتمكين إدارة مؤسسة الإسمنت وشركاتها من تطوير خطوط الإنتاج وزيادتها حسب الإمكانيات المتاحة.

يرجى الاطلاع.. والخلود لرسالتنا»

28/1/2008