بصراحة اتحاد العمال.. والتحدي الصعب

يشتد الضغط، النفسي والسياسي والمطلبي، على الاتحاد العام لنقابات العمال وقيادته كلما اتسعت الهوة، في الرؤية والمنهج والغايات، بينه وبين الحكومة وفريقها الاقتصادي الذي ما يزال يؤكد صباح مساء على تمسكه بالنهج الليبرالي الذي لم يجلب للشعوب التي أجبرت على تجريب (فضائله) إلا الفقر والجوع والبطالة والفوضى..

ففي هذا السياق، تؤكد التجارب المعاصرة في جميع البلدان التي تبنت حكوماتها السياسات الليبرالية بعد الانهيارات الكبرى التي حدثت في العقد الأخير من القرن العشرين، أن الطبقة العاملة كانت أكبر المتضررين من هذه السياسات، سواء من حيث الأجر، أو من حيث عدد ساعات العمل، أو من حيث الضمانات الاجتماعية بأشكالها كافة، وهذا ما دفع القيادات النقابية في تلك البلدان لإعادة النظر كلياً بعلاقتها مع حكوماتها دفاعاً عن الحقوق والمصالح الاقتصادية – الاجتماعية لمن تمثلهم، أي العمال، الأمر الذي أدى في النتيجة إلى التصادم الحتمي بينهما، والذي كان من أولى تجلياته حدوث إضرابات عن العمل شبه مستمرة في المنشآت والمعامل، وخصوصاً تلك التي بيعت للقطاع الخاص..

إن الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية، منذ تأسيسه، كان على الدوام ممثلاً لمصالح الطبقة العاملة السورية، واستطاع أن يقود نضالها طوال عقود بشكل متميز، وتمكن من انتزاع حقوق ومكتسبات لها، ساهمت بالحد الأدنى في وحدتها وحفظ كرامتها واستمرارها في العطاء وبناء اقتصاد وطني، استطاع أن يتجاوز جميع المحن التي تعرضت لها البلاد، وأن يتحدى كل أنواع الحصار التي فُرضت وما تزال تُفرض على سورية للضغط على ممانعتها للمخططات الإمبريالية والصهيونية..

لكن هذه الحقوق وهذه المكتسبات التي تحققت تاريخياً بالجهد والعرق ووحدة الصف العمالي، تتعرض اليوم بسبب السياسات الليبرالية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي في الحكومة لمخاطر جدية، إذ يقوم هذا الفريق تارة بعرض بعض المنشآت الهامة للاستثمار والخصخصة، من دون أن يسترشد برأي العمال الذين وهبوها قيمتها، رافضاً بالوقت نفسه القيام بأية استثمارات جديدة من شأنها المساهمة في تشغيل اليد العاملة السورية التي وصلت نسبة البطالة في صفوفها إلى مستويات مريعة، وتارة يقوم بتحرير التجارة والأسواق لتكسد البضائع الوطنية التي تنتجها المعامل السورية، وتارة يدفع وزارة العمل لطرح مشاريع قوانين مجحفة بحق الطبقة العاملة، والأخطر أنه ما يزال مصراً على تجميد أجور العمال والموظفين في القطاعات كافة، في وقت أصبحت فيه ارتفاعات الأسعار بنسب كبيرة، عملية دائمة ومستمرة، يساهم هو نفسه في حدوثها وتفاقمها بسبب سياساته الرعناء التي لا تراعي المصالح الوطنية، ولا الظروف المعاشية للطبقة العاملة السورية والشعب السوري بشكل عام.

إن كل ذلك يتطلب من القيادة النقابية التيقظ والحذر، والتفكير جدياً بإعادة النظر بعلاقتها مع الحكومة، وتمتين اللحمة النضالية مع العمال، وعدم فسح المجال أمام الفريق الاقتصادي الحالي للاستمرار في عنجهيته ونهجه المتعارض مع الحقوق البديهية للعمال، كما أنه يستدعي الوقوف بحزم ضد كل المشاريع والمقترحات الحكومية وغير الحكومية التي قد تحدث شرخاً واسعاً بين الطبقة العاملة وقيادتها النقابية، وتزيد من احتمالات اقتراب وقوع الفوضى الخلاقة التي يجاهر ساسة ومنظرو الإمبريالية العالمية، وخصوصاً الأمريكية، في الدعوة لها، ودعم الساعين إليها في السر والعلن..

لقد تردت أوضاع العمال كثيراً في السنوات الخمس الأخيرة، وللأسف فإن هذا التردي مرشح للازدياد والتفاقم طالما أن السياسات الاقتصادية المنتهجة حالياً مستمرة، وبالتالي فإن التحدي الصعب للطبقة العاملة وقيادتها النقابية هو إسقاط هذه السياسات حرصاً على سلامة البلاد ووحدتها، وحفاظاً على لقمة العمال وكرامتهم..

■ جهاد أسعد محمد

آخر تعديل على الإثنين, 29 آب/أغسطس 2016 13:36