موظفون ببلاش

موظفون ببلاش

 يقول المثل «ما فيك تخبي الشمس بغربال» ولكن يوجد في سورية من يسعى بكل جهده لإخفاء الحقائق، وتفسيرها واستثمارها حسب مصلحته، تماماً كما يفعل حيتان المال ومن يتحدث عنهم في «المنابر الإعلامية».

 فما أن تجالس واحداً منهم لتناقشه في عدد المعطلين عن العمل، حتى يبدأ في الشرح بأن هناك عاطلين عن العمل وبأن الأزمة هي السبب، وحجم الدمار كبير والخسائر كبيرة على رجال الأعمال، ولكنه في الوقت نفسه يبرر بأن سوق العمل كبير ويتسع للجميع، ولا يوجد شيء يسمى بالبطالة، وما على هؤلاء المعطلين عن العمل إلا أن يشمروا عن سواعدهم ويبحثوا عن عمل.

فهذا الجالس بلا عمل ما هو إلا خامل ينتظر من يمنحه رزقه، كما قال لي أحد التجار «شو بدنا نأكل هَمْ هدول التنابل»، وهذا الرأي يمثل مصالح هذه الفئة، كما يوفر عليهم أيضاَ استثمار الأيدي العاملة.

استغلال متقن 

كيف يتم استغلال العاطلين عن العمل، في أعمال مجهدة وبساعات عمل طويلة، بدون أجر أو بأجر زهيد؟.

هي عملية بسيطة تماماً، كما شرح التاجر الذي تحدثت معه «بأن سوق العمل تتسع للجميع»، فما على التاجر إلا أن يستورد بضاعته ويخزنها في مستودعاته ويروج بعدها في السوق عمّا يمتلكه من بضائع، وبأنه سوف يعطي من يروج لبضاعته، بين تجار المفرق، نسبة كبيرة على كمية البضاعة المباعة، وما أن ينتشر الخبر حتى يتسابق إليه كل من لا يجد عمل له ليعمل لديه، بدون راتب ووفق شروطه المغرية «من حيث الشكل».

مثلاً: إن باع هذا العامل الكميه التي يحددها له صاحب البضاعة؛ يكون هامش ربحه على سبيل المثال مئتي ألف ليرة سورية في الشهر، وهو راتب لا يُحصله أحد في أيامنا هذه، ويبدأ هؤلاء الشباب بحملة واسعة في الأسواق للترويج لهذا المنتج، وهم يحلمون في النسبة التي حددها التاجر، ليجدوا أنفسهم بعد فترة من العمل لم يستطيعوا أن يؤمّنوا الشروط التي حددها التاجر ليحصلوا على النسبة المغرية، ولم يحصلوا لأنفسهم أيضاً في شهر واحد أجر موظف ثابت عند التاجر، وفي الطرف المقابل تجد التاجر قد وفر أجر المروجين، واستفاد من عطالة من روّج له البضاعة.

الشركات ليست أفضل حالاً

كما تتبع شركات التوزيع على المنازل أيضاً العملية نفسها في استغلال العاطلين عن العمل، من خلال الإعلان في الصحف بأنهم بحاجة إلى مسوقين لبضائعهم من الجنسين، مع راتب يكون عادةً بحدود العشرين ألف ليرة مع نسبة عالية على المبيعات، ويعمل الموظفون في هذه الشركات لساعات طويلة، متنقلين بين الأحياء والأبنية، حاملين حقائبهم ليطرقوا على الأبواب ويروجوا لبضائع الشركة، وهم في هذه الشركات غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية، ولا يحصلون على أي حق، ومعرضين دائماً للطرد بحال لم يستطيعوا بيع الكمية المحددة من قبل الشركة. كما حصل مع إحداهن؛ فقد فُصلت من عملها لأنها لم تستطيع خلال أسبوع واحد أن تبيع الكمية المحددة لها، مع العلم أنها لم تحصل على راتبها.

البقشيش بدل الأجر

يوجد الكثير من هذه الأعمال، والتي غالباً تكون بلا أجر أو بأجر زهيد، حيث يقوم صاحب العمل فيها بالاشتراط على العامل بأن أجره يأخذه من الزبون «كــــ بقشيش»، مثل عمال ركن السيارات في كراجات السيارات والمطاعم والمولات، وكعمال توصيل الطلبات في متاجر الأغذية، وعمال تنزيل الطلبات والنراجيل في المطاعم، وموظفي شد الزبائن إلى المتاجر في أسواق الألبسة، والقائمة تطول عن هذه الأعمال التي يتم فيها استغلال العاطلين عن العمل بأبشع الأشكال.

هذه هي سوق العمل «التي تتسع للجميع» كما تشدق بها صديقي التاجر، وهي سورية التي أصبح العامل يبيع جهده فيها بدون أجر، فقط في زمن الليبرالية وتراجع الحكومة عن تحمل مسؤولياتها في تأمين عمل لائق لمواطنيها، بحسب ما كفل الدستور السوري.