ضرورة التوافق بين المؤتمرات والمجلس العام
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

ضرورة التوافق بين المؤتمرات والمجلس العام

كان من اللافت للانتباه، في أعمال المجلس العام، التي استمرت لساعات طويلة على مدى يومين، عدم الوقوف كما ينبغي على قضايا جوهرية وأساسية تمس الطبقة االعاملة، وعلى رأسها قضية الأجور وقانون التشاركية والتخلي عن الدعم، وأوضاع عمال القطاع الخاص.

وتبدو المفارقة واضحة أكثر، عندما نذكّر تلك المسائل الجوهرية الهامة كانت حاضرة وبقوة في معظم المؤتمرات النقابية وبشكل جدي وواضح، وتحولت لعمود فقري لها يتشكل حوله موقف وطني وطبقي وسياسي موحد بحده الأدنى، ويعبر عن المصالح المباشرة للطبقة العاملة، وكان من المفترض أن تؤخذ تلك المواقف كمرتكز لتوجه عام ولاحق لمؤتمرات المحافظات (التي لم تكن بالزخم المطلوب نفسه) ليجري تكثيفها، ومن ثم تبنيها، ليأخذها المجلس العام ويضعها في برنامج عمله الدوري.  

الموقف من التشاركية 

لا يستطيع أحد أن ينكر الموقف الجامع والجدي الذي تبنته مؤتمرات النقابات على مستوى القطر من قانون التشاركية، والذي وصل في بعضه لدرجة التصعيد ضده والمطالبة بمنع تطبيقه بالوسائل المشروعة كافة التي كفلها الدستور والقانون للطبقة العاملة, وهذا يدل على وعي أعضاء المؤتمرات لخطورة التشاركية كونهم أبناء تلك المنشآت وعمالها، وهم الأعلم بخطورته ونوايا من يطرحه ويسُوق له ويطالب بالإسراع في تنفيذه، وهم الذين خبروا بمعاناتهم وتدهور حالهم المستمر، كارثية السياسات الاقتصادية الليبرالية على الاقتصاد الوطني وعلى القوى المنتجة والكادحة.

فكان من المنطقي و المفيد، أن يتم عكس هذا الموقف في جلسات المجلس العام، امام الحكومة.

 ماذا عن الأجور؟

من القضايا الأساسية الغائبة عن المجلس الأخير، والذي كانت حاضرةً بقوة في مؤتمرات النقابات، موضوعة الأجور التي تتآكل قيمتها الشرائية يوماً بعد يوم بفعل السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة، حيث شهدت تلك المؤتمرات هجوماً شديداً على النهج الاقتصادي الحكومي، من سياسة (عقلنة الدعم)، مروراً بسياسة زيادة الأجور رقماً وخفضها قيمةً، لتزيد نسبة التضخم المرتفعة أصلاً، ناهيك عن الزيادات المتكررة على أسعار المحروقات والخدمات، من كهرباء وماء واتصالات ونقل، والتي تستهدف بشكل مباشر الطبقة العاملة والكادحة وتزيد وضعها المعيشي تدهوراً، فتعالت الأصوات خلال مؤتمرات النقابات بمئات المداخلات التي تعبر بشكل واضح عن مستوى الاحتقان الشديد المتراكم في أوساط الطبقة العاملة، مقدمة بالوقت ذاته الحلول الحقيقية للدعم المعيشي، كالسلة الاستهلاكية المدعومة وعودة الدعم الفعلي إلى أسعار المحروقات ...الخ، وهذا ما كان ينبغي أن ينعكس في هذا الملتقى العمالي والنقابي الهام، وتبلور كمطلب للطبقة العاملة، لدفع الحكومة نحو تبني نهج اقتصادي معاكس يحافظ على ما تبقى من ليرات في جيوبهم لرغيف الخبز، وهذا ما لم يتناوله المجلس الأخير سوى بمداخلة أو مداخلتين، لا يمكن اعتبارهما موقفاً عاماً قادراً على (هز بدن الحكومة) ووضع الحكومة أمام مسؤولياتها، خاصة أن الحكومة تصر على أنها تعمل لصالح الطبقة العاملة وأصحاب الدخل المحدود، إن وجدت مورداً، وبما أنها دائماً (تقطع إيدها وبتشحد عليها) فهي ستكتفي بمراقبة الأسواق ومنع الاحتكار ومكافحة الفساد الوظيفي, ومن العجائب بأننا نجد في إعلامنا النقابي من يشيد ويبارك بتصريحات الحكومة، وكأنها حقاً حكومة العمال!.

(137-64-65) 

متى نشطب هذه الأرقام؟

تضمنت بعض المداخلات خلال المجلس موضوعة تعديل قانون العاملين الأساسي والقوانين الأخرى، دون أن يتم التنبيه والإشارة إلى أن مجمل القوانين التي تعني الطبقة العاملة لم يتم تعديلها وفق الدستور الجديد، وبأن المهلة الدستورية للتعديل المحدد بثلاث سنوات قد تم تجاوزها فعلاً، وهذا ما لا  يصب في صالح العمال، فلا بد من إلزام الحكومة بتعديل قانوني العمل (الأساسي والقانون رقم 17) ضمن مهلة زمنية محددة، وأن تكون تلك التعديلات معبرة بشكل كامل عن الاقتراحات التي تبنتها المؤتمرات النقابية التي طالبت عبر سنوات طويلة بها، وعلى رأسها إلغاء المادة 137من قانون العمل الأساسي والمادة 64 و65 من القانون رقم 17، بالإضافة إلى صياغة تضمن حق الإضراب، في كلا القانونين، بمادة قانونية تنسجم مع الدستور الذي كفل هذا الحق، وكذلك الأمر بالنسبة لقانون التنظيم النقابي، الذي أجمعت المؤتمرات على ضرورة الإسراع بتعديله بما يتناسب مع تعزيز دور اللجان النقابية وصلاحياتها، لتمكينها من ممارسة دورها بشكل أعلى واستقلالية أكبر، وقد أخذ موضوع إعادة العمال المسرحين أو المفصولين إلى العمل مساحة من أعمال المجلس، وهذا جيد ولكن ليس كافياً، بل كان من المفترض التركيز في الوقت ذاته على الإصرار على تعديل أو إلغاء المواد القانونية المجحفة التي على أساسها تم تسريح هذه الأعداد الكبيرة من العمال، في القطاع العام والخاص، فالمطالبة بإرجاع العمال إلى عملهم حسن، والمطالبة بعدم تسريح عمال آخرين أحسن.

ماذا عن القطاع الخاص

حضر صوت القطاع الخاص في المجلس الأخير بتواضع (كالعادة)، فغابت قضايا هذا القطاع الكبير والهام، بشقيه المنظم وغير المنظم، وهذا ما لم يحدث في المؤتمرات النقابية التي جرت بداية العام الماضي، حيث شهدت نشاطاً واضحاً لعمال القطاع الخاص وتطوراً واضحاً، كماً ونوعاً من حيث المداخلات وجديتها وأطروحاتها، وخاصة بتلك القطاعات الكبيرة، كالبناء والنسيج والسياحة، وركزت في مجملها على أهمية هذه الشريحة وضرورة تمثيلها بالتنظيم النقابي بما يتناسب مع حجمها، لكي تكون قادرة على صياغة برنامجها في مواجهة قوى السوق المهيمنة بقوة قانون العمل رقم ،17 المفصل على قياس أصحاب العمل، وقانون السوق المعتمد على العرض والطلب لليد العاملة.

فمثلاً رغم تسجيل أعداد من العاملين في القطاع الخاص المنظم في التأمينات الاجتماعية؛ مازال معظمهم مسجل وفق الحد الأدنى للأجور وليس وفق أجرهم الحقيقي، ناهيك عن إجبارهم على توقيع استقالتهم المرافق لتوقيعهم لعقد العمل، والإجحاف بحقهم في احتساب أجر ساعات العمل الإضافي والحوافز الإنتاجية والتعويضات المعيشية، وغيرها الكثير من الأمور التي أصبحت معلومة للحركة النقابية، وأما بالنسبة للقطاع غير المنظم وضرورة الوصول لرؤية استراتيجية تضمن تنظيم العاملين به وضمهم للنقابات، وبالتالي ضمان حقوقهم، فلم تكن تلك من القضايا المطروحة رغم أهميتها وضرورتها في هذه المرحلة بالذات، التي تشهد تمادياً كبيراً على حقوق العاملين في هذا القطاع الأوسع، وخاصة الأطفال والنساء.

يعتبر المجلس العام السلطة الأعلى في التنظيم النقابي، وبالتالي فهو المعني بصياغة برنامج الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، وهو المعني بالعمل على مواجهة كل ما يضر بالعمال ومصالحهم الوطنية والسياسية والحقوقية والطبقية، وعليه أن يكون معبراً حقيقياً عن مجمل القضايا التي تبناها العمال في مؤتمراتهم ورفعوا صوتهم لأجلها، ومن المطلوب ردم الهوة بين المؤتمرات النقابية والمجلس العام، والأصح يكون سقف الخطاب الموجه في المجلس متوافقاً مع سقف الخطاب في المؤتمرات، بل لا بد أن يكون معبراً عنه، وهذا ما يجب توفره في الدورات القادمة، خدمة للطبقة العاملة، وحرصاً على دور تنظيمها النقابي، وحرصاً على المصلحة الوطنية.