بصراحة العمال الموسميّون.. ودوامة البطالة الشتوية
سينتهي بعد فترة قصيرة موسم العمل الصيفي.. وسيدخل عمال المطاعم والمقاهي المكشوفة في دوامة البطالة الشتوية، وسيتبعهم الكثير من العمال الزراعيين، وعمال المنتزهات وخدمات السياحة، والكثير الكثير من عمال البناء والإكساء، بانتظار صيف جديد وأمل مخاتل قد يكون مجرد وهم ليس إلا..
فمع تراجع الاستثمارات الحقيقية في القطاعات الحقيقية، وتوقف الدولة عن إقامة المشاريع الصناعية والاستثمارية، وتزعزع القطاع الزراعي واقترابه من حافة الانهيار، وإفلاس عدد متزايد من الورش الحرفية والمهنية والمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة وإغلاقها، أصبح قدوم فصل الشتاء كارثة حقيقية لعدد كبير من الأسر السورية التي لا تخلو أي منها من فرد واحد على الأقل، يمكن وصفه بأنه عاطل عن العمل، كما لا تخلو على الأرجح من عامل يحقق دخله الأساسي أو الإضافي من عمل موسمي، فما عسى يفعل كل هؤلاء؟ وأين الحكومة وفريقها الاقتصادي من هذا الواقع البائس الذي راح يطغى على الصورة الاجتماعية ـ الاقتصادية في بلدنا؟
لقد شهدت البلاد في المرحلة الماضية انعطافات حادة على المستويات كافة، انعكست مباشرة على الطبقة العاملة والفقراء عموماً بشكل غاية في السلبية، فما إن أعلنت القيادة السياسية تبنيها لـ(اقتصاد السوق الاجتماعي) في المؤتمر القطري العاشر قبل ثلاث سنوات، حتى عدّ اقتصاديو الحكومة ذلك إيذاناً بالتحول (التاريخي) نحو اقتصاد السوق الحر، فتناسوا (الاجتماعي) بشكل شبه كلي، وشرعوا برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري بتنفيذ سياسات نيوليبرالية شاملة بمباركة ودعم من صندوق النقد، والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة الحرة والاتحاد الأوربي..الخ.. وهكذا راح الناس يسمعون لأول مرة منذ نحو خمسة عقود مصطلحات وشعارات كانوا قد أوشكوا على نسيانها في ظل الاقتصاد الموجه كالخصخصة، وتحرير التجارة والأسعار، ورفع الدعم، وإلغاء الدور الرعائي للدولة التي راحت تُنتهج بشكل تدريجي، مزيلة من طريقها شعارات ومكتسبات حققتها الطبقة العاملة بالنضال الطويل والتضحية المستمرة: «اليد المنتجة هي اليد العليا في سورية» و«لا حياة في سورية إلا للتقدم والاشتراكية»، وهذا ما جعل الاقتصاد الوطني يصاب باختلالات قوية في بنيته ودوره، فوصلت البطالة إلى مستويات قياسية، وتقلصت الخدمات والضمانات الاجتماعية، وتهالك القطاع العام، وتدهورت الزراعة والصناعة، وتراجع الإنفاق الحكومي..
وجاء رفع الدعم عن المشتقات النفطية في أيار الماضي بعد ممانعة شديدة من القوى الوطنية والمنظمات الشعبية والنقابات، ليتوج التغييرات الجذرية الجديدة، الأمر الذي تسبب فور تطبيقه بموجة غلاء عارمة ومستمرة طالت جميع السلع الأساسية والخدمات، وما تزال هذه الموجة في حالة من التصاعد والقوة، ضاربة بعرض الحائط كل الوعود والأحلام الذهبية التي مازال مروجو النيوليبرالية يحاولون إقناع الشعب السوري بأنها وشيكة التحقق.
في ظل هذه السياسات (اللاوطنية)، فإن أعداداً كبيرة من الشباب السوري ينضمون كل عام إلى قوة العمل المحلية، والأغلبية الساحقة من هؤلاء، وفيهم الجامعيون وخريجو المعاهد، يجدون أنفسهم بلا أية فرصة عمل، ولا حتى فرصة في السفر أو الهجرة، وفي أحسن الأحوال قد يظفر بعضهم بفرصة مؤقتة أو موسمية، أو يحظى قسم يسير منهم بعمل لا يتناسب وإمكاناتهم أو تحصيلهم العلمي، وبالتالي فهم جميعاً يمكن عدهم عاطلين عن العمل بهذا الشكل أو ذاك. ويبدو أن الفريق الاقتصادي الذي يعرف أعدادهم وإمكاناتهم، ويتعامى عن وجودهم، لا يدرك أن هذا الجيش المتزايد من المهمشين أصحاب الخيارات الضيقة، لا يمكنهم الاستمرار في الحياة على هذا النحو اللا إنساني، وأن الحال إذا ما استمرت على ما هي عليه، قد ينتج عنها انفجار اجتماعي يكون أول المتضررين منه الوحدة الوطنية للبلاد، أما إذا كان هذا الفريق يدرك هذه المأساة وتبعاتها ويصر على عدم فعل شيء لإيقافها، فعندئذ يصبح لزاماً على الجميع السؤال: لماذا؟ ولمصلحة من؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.