الحكومة والقطاع العام الصناعي: عمالة «فائضة»... في معامل تفتقر إلى اليد العاملة!!
تطلع علينا التصريحات الحكومية دائماً بالتأكيدات التالية: لا خصخصة... يجب دعم القطاع العام، وعدم تسريح للعمال.
ولكن الواقع يخالف هذه التصريحات، حيث أن آلية السوق «الاجتماعي» تناقض كل ما يقال، مما يعكس في أحسن الأحوال اضطراباً في رؤية الأمور لدى الحكومة، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: هل هناك سياسة معلنة، وسياسة أخرى تمارس في الظل؟
نقول ذلك لأن هناك وقائع تقول: القطاع العام في مجمله يعاني من نقص في العمالة الفنية، وخصوصاً في الشركات الصناعية، وليس من عمالة زائدة كما تقول الجهات الحكومية.
كان عدد عمال القطاع العام في العام 2000 يبلغ /1.5/ مليون عامل، وأصبح العدد الآن /710/ ألف عامل. والسبب: وقف التعيين في هذا القطاع منذ أكثر من خمس سنوات، مع تخلي الحكومة عن الالتزام بسياسة تشغيل الخريجين في الجامعات والمعاهد، وتعاني شركات عديدة من نقص شديد في العمالة الفنية الإنتاجية أدى إلى خفض خططها الإنتاجية.
وفي حين انعدمت أو تدنت نسبة التشغيل في القطاعات الإنتاجية، نجد تزايداً في القوة العاملة المشتغلة في القطاعات الخدمية، كالأنشطة التوزيعية والنقل والمواصلات والتأمين والسياحة والعقارات والسمسرة، مع تزايد في أعداد الداخلين لسوق العمل غير الرسمي.
وتعكس هذه الصورة في مجملها الخلل الذي أصاب سوق العمل السوري: فعدم قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل جديدة، ووقف التعيين في القطاع العام، أدى إلى تزايد البطالة مع تزايد أعداد السوريين العاملين في الخارج.
وهذه القضية الخطيرة، كان يجب أن تمثل التحدي الرئيسي للسياسة الاقتصادية في سورية، ولكن يبدو أن هناك برنامجاً غير معلن، يهدف في المحصلة إلى إنهاء القطاع العام خطوةً خطوة دون اعتراض أو احتجاج. وأبرز ما يتضمنه هذا البرنامج: ترشيد حجم القطاع العام، وعدم إيلاء مشاكله الفنية والإدارية أية أهمية. والأبرز في هذا المجال: موضوع العمالة.
يتحدث الفريق الاقتصادي بشكل دائم عن العمالة الفائضة، التي تمثل حسب رأيه عائقاً كبيراً أمام الإنتاج، وتمثل الأجور عبئاً مالياً على ميزانية الشركات وتكلفة الإنتاج.
هذه المعزوفة تتردد بشكل دائم، لكن دون أن تتخذ الحكومة أية إجراءات في هذا الصدد، وذلك بسبب الرفض المطلق للنقابات، ولقوى وتيارات سياسية أخرى، المس بحقوق العمال، إلا أن الحكومة استطاعت أن تحقق هذا الهدف وما هو أكبر من هذا الهدف، عن طريق تخفيض العمالة بسبب عدم وجود تعيينات، وضرب القطاع العام، حيث أصبحت أكثر شركات القطاع العام تضم عمالة هرمة تتجاوز أعمارها الخامسة والخمسين، وقد أصبح هذا الواقع هو الأساس، طبعاً مع جملة عوامل أخرى، في عدم تحقيق الخطط الإنتاجية، خصوصاً وأن الشركات الصناعية الكبرى، كالأسمدة والإطارات والفوسفات والحديد وشركات الغزل وغيرها، فوق أنها تضم عمالاً أعمارهم فوق الـ 50 عاماً، فإن أكثرهم يعانون من أمراض مهنية أو إصابات، ولديهم تقارير طبية تؤكد على إبعادهم عن الأعمال المجهدة، وأصبحت تكلفة علاجهم عبئاً كبيراً على ميزانية الشركات وتكلفة الإنتاج، ونحن هنا لا نقول بتسريح هؤلاء، ولكن الواجب يقتضي تدخلاً تشريعياً من مؤسسة التأمينات الاجتماعية لمنحهم كل ما يحصلون عليه في شركاتهم، ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث، لأنه وعلى المدى المنظور (5 - 10 سنوات) لن يبقى أي عامل في شركات ومعامل القطاع العام الصناعي والإنشائي، بعد ذلك تستطيع الحكومة -أية حكومة كانت- أن تتصرف بأكوام الحديد والأحجار التي هي القطاع العام!!
تقول الوقائع:
شركة الإطارات قبل ثلاثة أعوام كانت تضم /1457/ عاملاً، وفي العام الحالي تضم /1000/ عامل فقط، وبين هؤلاء /400/ عامل مريض مهنياً، ولديهم تقارير طبية تطلب أبعادهم عن العمل الإنتاجي، و متوسط الأعمار في الشركة /53/ عاماً، والشركة تطالب منذ عامين بتعيين عشرة عمال في قسم الإنتاج، وتأتي الردود مع عدم الموافقة!!
وفي شركة البورسلان في حماة والتي كانت قبل سنوات تضم /1500/ عامل، لا يوجد إلا /800/ عامل، وأكثرهم مرضى، وقد راسلت الشركة الجهات الوصائية لتعيين سبعة عمال في قسم الإنتاج، وكانت الردود مع عدم الموافقة.
وشركة حمص للغزل والنسيج والصباغة والتي كانت تضم /1500/ عامل، يبلغ عدد عمالها الآن /400/ عامل فقط، ومتوسط أعمارهم /55/ عاماً. وخسائر هذه الشركة سنوياً أكثر من مائة مليون ل.س منذ أكثر من /15/ عاماً، ومازالت الخسائر تتفاقم، والجهات الوصائية رفضت جميع المشاريع التي تقدمت بها الإدارات لتطوير الشركة، كمشروع الجينز والعوادم والصباغة، وتم إعطاء هذه المشاريع للقطاع الخاص لقاء صفقات ومحاصصة، وهذا الواقع ينطبق على شركات القطاع العام كافة!!
فهل تفترض الحكومة أن الشعب السوري لن يستطيع إدراك الفارق الشاسع بين تصريحاتها وبين ما يتم تنفيذه على أرض الواقع؟!!