موظفو الحكومة: إجحاف متكرر
قبل الأحداث كان الحصول على وظيفة حكومية أشبه بالحلم بالنسبة للعديد من الشباب، بسبب العديد من الميزات التي لا تتوافر في القطاع الخاص من تثبيت وتأمينات وراتب تقاعدي وضمان صحي وغيرها، بالإضافة إلى تدني فرص العمل وزيادة أعداد العاطلين عن العمل.
أما اليوم فقد تحولت إلى شبه كابوس، وأصبح العمال سجناء لدى الحكومة تستغلهم بشكل بشع, فلم تترك الحكومة وسيلة ضغط أو طريقة استغلال إلا واستخدمتها ضد العمال، وكأنها تسعى إلى تطفيشهم، وخاصةً في القضايا المتعلقة بمستوى أجورهم ومستوى معيشتهم وحقوقهم وتعويضاتهم المختلفة، وأخرها وليس أخيرها انخفاض القيمة الشرائية لليرة، أي للأجور عملياً، الذي أفقر شرائح عدة في المجتمع، ولكن أكثر المتضررين كان عمال وموظفو الدولة.
سلوك غير قانوني تجاه العمال
تشديد الإدارات على العمال من خلال عرقلة الاستقالات، وربطها بموافقات أمنية، إلى منع الإجازات (مع أنها من حقوق العامل بنص القانون) إلى تخفيض الحوافز والمكافآت والوصول إلى إلغائها أحياناً، ورفض طلبات الحصول على سلفة راتب، إلا لبعض المحسوبين وبناءً على وساطة، إلى توقيف العديد من المؤسسات وسائط النقل الخاصة بالعاملين، إلى تخفيض قيمة الضمان الصحي إلى أكثر من النصف (حتى بات أغلب الأطباء والصيادلة يتهربون من التعامل مع العمال) إلى تشديد الإجراءات والعقوبات عليهم, كالتشدد بمراقبة الدوام ومعاقبة العمال والخصم من إجازاتهم ورواتبهم، وخصوصاً الذين يقيمون في مناطق بعيدة ومحاصرة، دون مراعاة لأوضاعهم ولظروفهم, ناهيك عن حالات التسريح التعسفي من العمل لأسباب مجهولة وغير معللة، يمكن أن يكون بعضها بناءً على وشاية كيدية ذات طابع أمني، أو بسبب تغيب عن العمل، مع أنهم قد يكونوا محاصرين في إحدى المناطق الساخنة أو موقوفين لدى إحدى الجهات الأمنية (التي ترفض إعطاء علم بالموقفين لديها) أو ربما مخطوفين، فتبادر مؤسساتهم إلى تسريح هؤلاء مباشرة واعتبارهم بحكم المستقيل ومنع تصفية حقوقهم التأمينية (التي تعتبر من حقوقهم حيث تقتطع من رواتبهم طيلة فترة خدمتهم) مع ملاحقتهم قضائياً!! دون انتظار أو البحث عن السبب، وكأننا نعيش في حالة سلم ولا توجد ظروف استثنائية تمر بها البلاد ويجب مراعاتها.
الكيل بمكيالين
هناك أيضا فئة من الموظفين باتوا يعملون شبه مجان لدى مؤسساتهم، وهؤلاء ممن ترتبت عليهم قروضاً للمصارف الحكومية، حيث تقوم مؤسساتهم بحجز جزء كبير من رواتبهم بناء على طلب من الجهة صاحبة القرض وهو حق لا يمكن تجاوزه، ولكن بالمقابل لم تقم الحكومة أو المصارف بأي جهد لمساعدة هؤلاء العمال أو إيجاد حل لهم (مع أن أغلبهم بات يدفع قسطاً لمنزل هُجّر منه أو تهدم، بالإضافة لدفعهم أجرة البيت الذين اضطروا للنزوح اليه) وبعضهم تقدم بطلبات للمصارف يطلبون فيها مراعاة ظروفهم ولكن دون جدوى, على عكس ما تقوم به تلك المصارف نفسها بالنسبة لكبار التجار والمستثمرين، حيث نسمع كل يوم عن قرار جديد لإعادة جدولة ديونهم (مع أن قرضاً واحداً من قروض هؤلاء يغطي المئات من القروض الصغيرة المتعثرة لهؤلاء العاملين)!!، فلماذا تتم الجدولة لهؤلاء ولا يمكن أن تتم للعاملين؟.
أموال العمال في
التأمينات الاجتماعية
كتلة رواتب العمال والموظفين وتأميناتهم واستحقاقاتهم المختلفة، مع الاقتطاعات والحسومات الجارية على الأجور بمختلف مسمياتها ومبرراتها، تتحول إلى منقذ مالي للحكومة أحياناً أو لبعض الجهات الرسمية، فمؤسسة التأمينات الاجتماعية لها الحق بأن تقرض بعضاً من أموالها وأن تدخل بمشاريع تجارية واستثمارية حسب القوانين، وذلك من أموال العمال المقتطعة من أجورهم، دون ضمانات أو مردود حقيقي يعود على العمال باعتبار أن تلك الودائع المصرفية هي لهم ومن أموالهم أولاً وأخيراً, بالإضافة إلى اختراع وابتداع أساليب عدة للسحب من رواتب الموظفين، من الزيادات برسوم النقابات إلى رسوم التأمينات إلى ضريبة المجهود الحربي وإعادة الإعمار، إلى رسوم الصرافات الآلية لصالح المصارف، وغيرها الكثير من الاقتطاعات والرسوم، التي تدر بمجملها الملايين شهريا إلى حساب هذه أو تلك من الجهات على حساب العاملين.
إجراءات استثنائية للحكومة؟
يتم الحجز على بطاقات رواتب الموظفين والمتقاعدين الموجودين في المناطق الساخنة، أو الذين اضطروا لمغادرة البلاد، بحجة أنهم قد يكونوا مطلوبين للجهات الأمنية أو غيرها من الأسباب، كما وأبطلت الوكالات القانونية كلها المتعلقة بهذا الشأن، أو ايقاف صرف الأجور أو التأخر بها لشهور عديدة لأسباب وأعذار مختلفة، علماً أن الأجر يعتبر من الحقوق المصانة قانوناً ودستوراً.
البحث عن
سبل تأمين المعيشة
واقع الضغط المعيشي وتدني الأجور، دفعت العديد من العمال والموظفين إلى البحث عن طرق وسبل لاستكمال تأمين معيشتهم، فمنهم من بات يعمل أكثر من عملين في اليوم، وينامون في أماكن عملهم ولا يعودون إلى منازلهم سوى أيام العطل فقط, ومنهم من فضل المخاطرة والهروب من البلاد بطرق غير مشروعة إلى الدول المجاورة، ومن ثم إلى أوروبا بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأسرهم.
وعلى الرغم من ذلك، وبظل عدم توفر فرص للعمل وزيادة البطالة بشكل غير مسبوق، ما زالت الوظيفة الحكومية تعتبر حلماً للكثيرين، لا يحصل عليها إلا المحظيون فقط، على مبدأ ساقية جارية ولا نهر مقطوع، على الرغم من تحولها إلى شبه سجن بظل آليات التطفيش المتبعة والحقوق المهدورة....