الرحلة الشاقة .. في الطريق إلى العمل
يشتد العمل صعوبةً بالنسبة للعمال الصائمين في شهر رمضان، وخاصة أولئك المشتغلين بالقطاعات الإنتاجية المعتمدة على الجهد العضلي بشكل أساسي، ويبقى لعمال القطاع الخاص غير المنظم طرقهم الخاصة في الجمع بين الصوم والعمل.
السحور والفطور في الورشة
يلجأ عمال القطاع الخاص غير المنظم في شهر رمضان للعمل في ساعات الليل الطويلة، بدل العمل نهاراً، كي يحافظوا على عملهم وأجرهم الذي يعيشون عليه، فيتغير دوامهم اليومي الروتيني بشكل كامل، طبعاً مع الحفاظ على عدد ساعات العمل المفروضة عليهم من رب العمل، الذي لا تفوته فائتة، فيتغيبون قسراً عن موائد الإفطار والسحور في بيوتهم وبين عائلاتهم، لينضموا للموائد الرمضانية الخاصة التي يقيمها العمال في المعمل أو المشغل أو الورشة.
ليله نهار ونهاره ليل
يشتغل أغلب عمال القطاع غير المنظم 12 ساعة يومياً، على مدار العام وضمنه شهر رمضان، فتجد أغلب العمال يشتغلون من الساعة السابعة مساءً وحتى السابعة صباحاً، تتخلل هذه الساعات وجبتي الفطور والسحور فيتناولونها على عجل تفادياً لمحاسبة رب العمل على التقصير في كمية الإنتاج اليومي، والذي يعني تخفيضاً لأرباحه المتربعة على سلم أولوياته، ويحتاج العامل لأربعة أو خمسة أيام كي يتأقلم مع دوامه الجديد، الذي قلب ليله نهار ونهاره ليل.
مكرمة أم مصلحة
يعتبر رب العمل - الذي يقلب دوام عماله – نفسه صاحب مكرمة عظيمة، ويمنن هؤلاء العمال بذلك، ويدعي بأنه حريص على مصلحتهم لأنه أمن لهم استمرارية عملهم واستمرارية أجورهم، بل يحاول بشتى الوسائل ابتزازهم في ذلك ومطالبتهم بإنتاج أعلى، كونه اتقى الله فيهم وحافظ على صيامهم وعملهم، بدل أن يعترف بأنه بذلك الفعل حافظ على مصالحه وأرباحه مستغلاً حرص العامل على الصوم والعمل معاً، ولو على حساب - لمة رمضان – مع أهله وأسرته وأولاده، تلك (اللّمة) التي ينعم بها رب العمل كل يوم على مائدته العامرة والمزدحمة، بفضل عرق عماله وشقائهم وحرمانهم.
العمل الليلي – يكّسر البدن -
لا يمكن تجاهل الانعكاسات السلبية للعمل الليلي على صحة العامل وسلامته الجسدية والذهنية، والتي تنعكس بشكل أو بآخر على العملية الإنتاجية كماً ونوعاً، فرغم ساعات النوم النهارية الطويلة التي ينالها العامل، هي بحقيقة الأمر لا تؤدي لاستعادة نشاطه الجسدي والذهني، وهذا بالطبع مثبت ضمن دراسات وحقائق علمية، ويمكن ملاحظتها بوضوح على أرض الواقع، فعامل الليل تراه مرهقا بدنياً ومشوشاً ذهنياً ويقاوم النعاس طوال ساعات عمله، وخاصة تلك الساعات الأخيرة من الليل وأول الفجر، لذلك تلجأ المعامل التي تعمل 24 ساعة على تقسيم العمال لورديتين، واحدة صباحية وأخرى ليلية، على مبدأ التبادل كل أسبوع، فالعامل يعمل أسبوعاً بالنهار وآخر بالليل، كما أن الأجر الممنوح لعامل الوردية الليلة يفوق أجر العامل العادي، وعليه فإن مصلحة العامل باستمرار العمل والإنتاج لا بد أن تقابل ببعض الحقوق له كتخفيض عدد ساعات العمل وزيادة أجرها، ويجب أن تقدم له وجبة فطور مجانية، فصلاة تراويح رب العمل وصيامه لن تكَفر عن استغلاله لإيمان العامل بعمله وصومه.