الحركة النقابية ومسؤوليتها الراهنة
لا شك أن مهمات كبيرة تنتصب أمام الحركة النقابية في ظل الأحداث المتسارعة والمستجدات اليومية التي تعكس نفسها على الحركة النقابية، وهي معنية بها بشكل مباشر، ولا يمكن إدارة الظهر لها، خاصة أن هناك تجربة طويلة للحركة النقابية مع الحكومات السابقة، فيما يخص حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها، وحماية هذه الحقوق والمكاسب التي لم تنجح الحركة النقابية بالحفاظ عليها إلى حد بعيد، لأسباب كثيرة أهمها: وضع الموقف النقابي في موقع الشريك مع تلك الحكومات، وتقاسم تحمل مسؤولية قراراتها الاجتماعية والاقتصادية معها، مما أوقع الحركة النقابية بتناقض مع الطبقة العاملة التي تعاني كثيراً من أوضاعها المعيشية، بسبب السياسات الاقتصادية التي أتبعت، وتحرر فيها كل شيء لمصلحة الرأسمال، إلا حقوق العمال بأجر عادل يؤمن كرامتهم، ويشعرهم بمواطنتهم التي فقدوا الشعور بها بسبب تلك السياسات الاقتصادية الجائرة بحقهم.
هؤلاء العاملون بأجر رأوا بأم العين الغنى الفاحش للبعض المتحكم والناهب، وعاشوا بالوقت نفسه فقراً فاحشاً جعلهم يتساءلون عن الأسباب الحقيقية التي أوصلتهم إلى هذا الدرك من المستوى المعيشي.. وعلى الرغم من الزيادات التي كانت تطرأ على أجورهم بين الحين والآخر، إلا أنها لم تغير من واقع الأمر شيئاً بسبب الارتفاع الفوري للأسعار بعد كل زيادة للأجور، مما أرغمهم على تحمل انخفاض القيمة الشرائية لأجورهم المنخفضة أصلاً وهو ما راح يزيد في معاناتهم اليومية.
لقد تشكلت الحكومة الجديدة الآن، ولكن جرى التأكيد على الاستمرار بالسياسات الاقتصادية السابقة نفسها مع إجراء بعض الإصلاحات، مما يعني استمرار معاناة الطبقة العاملة، وهذا يطرح سؤالاً واضحاً وصريحاً وهو: هل ستستمر الحركة النقابية تتمسك بمواقفها التشاركية مع الحكومة الجديدة التي أكدت منذ الوهلة الأولى تبنيها السياسات الاقتصادية عينها؟
الاستمرار بتلك العلاقة النقابية - الحكومية كان ومازال محط رفض لها من الكثير من الكوادر النقابية، والدلائل على ذلك كثيرة في المؤتمرات والاجتماعات والحوارات الكثيرة التي جرت سابقاً، والتي تجري الآن في أروقة النقابات وخارجها، وهذا يدلل على وعي متقدم لدى هذا الكادر بالمخاطر الكامنة والطافية، خصوصاً أن هذا الكادر كثيراً ما نبه لمخاطر استمرار ذلك، وتحديداً في ظل استمرار السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تبنتها الحكومة السابقة، والتي تتمسك بها الحكومة الجديدة.
إن الاستمرار بتلك السياسات يعني استمرار عمليات النهب والفساد، والتهرب الضريبي الكبير لدى قطاعات واسعة ممن فتحت لهم أبواب الاقتصاد السوري على مصراعيها، ليسوقوه إلى مواقع يمكن القول عنها بالحد الأدنى إنها تفتت وتضعف الاقتصاد الوطني، ولا تقر بمصالح وحقوق الشعب السوري الذي ينشد أن يعيش في بلده، وكرامته محفوظة وحقوقه مصانة لا يعتدي عليها الفاسدون والناهبون لحقوقه، بمستوى معيشي لائق وتعليم غير مكلف، وصحة مجانية ونقل وسكن...إلخ.
ومن هنا عندما نقول إن مهمات الحركة النقابية كبيرة، وهي كذلك لأن هذه الحركة التي خلقت من رحم النضال الوطني ومن رحم النضال الطبقي، ودفعت ثمن مواقفها الوطنية والطبقية دماً وسجناً وتشريداً وفصلاً من العمل، فهذا التاريخ المجيد للحركة النقابية والطبقة العاملة السورية يجعلهما الآن أمام مسؤوليتهما التاريخية بحماية البلاد والعباد من الانزلاق إلى مآلات معتمة، قد تأكل الأخضر واليابس، والتي سيكون الخاسر الأساسي فيها الوطن والشعب.
إن العمال سيقفون ضد كل من يدفع بهذا الاتجاه، وسيدفعون دمهم ثمناً لكي لا يحصل ذلك، وسيبذلون كل ما بوسعهم لكي يبقى وطننا كريماً ومقاوماً لكل أشكال العدوان الخارجي والداخلي، اللذين يريد رموزهما أن يركبا موجة الحراك الشعبي المطالب باستئصال الفساد والنهب، والمطالب بإصلاحات حقيقية سياسية وديمقراطية واقتصادية تمكنه من مواجهة ومقاومة تلك المشاريع العدوانية التي تسعى إلى النبش في مقابر الطائفية والاثنية، والتي رد عليها الحراك الشعبي بشعارات تؤكد على الوحدة الوطنية، ورفضه للطائفية، وأن الشعب السوري واحد لا يمكن تجزئته، ولا يمكن جره إلى مواقع تنافي مصالحه الوطنية، مهما جرت من محاولات ويمكن أن تجري، وتحت أية شعارات طرحت أو ستطرح، لأن وعي الشعب السوري وحسه الوطني العالي سيقطع الطريق على كل تلك الأصوات الداعية، والرافضة لحقوقه المشروعة، والذي سيحققها بوحدته الوطنية وبصلابته وصموده في مواجهة العسف من أية جهة كانت.
إن الطبقة العاملة السورية تراقب ما يحدث، وسيكون لها الكلمة الفصل في مواجهة الفساد والنهب الذي أوصل البلاد والعباد إلى ما وصلت إليه، وهي بهذا تدافع عن كرامة الوطن وكرامتها.