(على هذه الأرض  ما يستحق الحياة)..!

 سؤال أولي مهم نواجه به من العمال، عندما ندخل إلى صاله من صالات الإنتاج في المعامل التي نقوم بزيارتها: «كيف أجيتوا لعنا.. قلال ألي بيجوا يحكوا معنا ويسألونا عن حالنا» سؤال كبير يحمل في طياته الكثير من المضامين الإنسانية، كوننا خاطرنا من أجل القدوم إليهم والكثير أيضاً من التساؤلات المحقة عن الأسباب التي أوصلت أوضاعهم إلى هذه الحال، كانت إجابتنا عن ذاك السؤال العميق الذي نواجه به عند كل زيارة لمعمل يقع على خطوط النار «أنتم تأتون كل يوم من أجل العمل والإنتاج والمخاطر عليكم عظيمة، بينما نحن نأتي لمرة أو مرتين وهذا ليس مجال مقارنة بكم».

نحن نأتي لنلقي الضوء على الظروف التي يعمل بها العمال لنستمع مباشرةً إلى ما يريدون قوله عن حقوقهم ومطالبهم.. نستمع منهم عن أجورهم وتكاليف المعيشة التي يرزحون تحت وطأتها .. معاناتهم قبل الأزمة وأثناء الأزمة .. في ذهابهم وإيابهم إلى معاملهم التي يرون فيها مصدر عيشهم الوحيد.. المخاطر التي تعرضوا لها أثناء المعارك التي دارت رحاها في معاملهم.. عن العمال الشهداء والجرحى رفاق العمل.

في طريقنا إلى معمل الألبسة الجاهزة، الذي يقع على مفرق المليحة، هذا الطريق الذي كان يعج بالحياة والحركة ذهاباً وإياباً لكثرة المعامل والورشات التي كانت تتوضع على جانبي الطريق، بالإضافة إلى سكان البلدات والمدن من طلاب وعمال وموظفين وفلاحين وغيرهم في الغوطة الشرقية الذين يسلكونه إلى دمشق، أي أنه أحد شرايين الغوطة الأساسية مع العاصمة، بينما الآن ما يراه العابر لهذا الطريق تشيب له الولدان من هول الدمار، البداية من جسر الكباس الذي يقع على جانبه الأيمن منطقة الدخانية، التي كانت في يوم من الأيام يقطنها سكان من هذا البلد، وهي مصنفة ضمن أحزمة الفقر التي تلف العاصمة من جهاتها الأربع، هذه الأحزمة الفقيرة المهمشة الضامة في بطنها العاطلين عن العمل نتاج السياسات الاقتصادية، وقوانين السوق المتوحش... هجروا جميعاً والمعارك التي دارت بها لم تبق ولم تذر من ممتلكاتهم شيئاً، ونكمل الطريق إلى مقصدنا إلى معمل الألبسة الجاهزة في هذا الطريق لم تعد هناك حياة... الطريق موحشة... لا حركة به سوى أفراد قد تصادفهم يسيرون على جانبي الطريق، وهذا الطريق يسلكه العمال يومياً في ذهابهم وإيابهم إلى المعمل، ولك صديقي القارئ أن تسمع من العمال حكاياتهم ورواياتهم عما عانوه وتعرضوا له بسبب المعارك التي دارت بالقرب منهم، وفي داخل معملهم الذي بقي وبقوا العمال معه، لا خيار آخر أمامهم سوى البقاء خلف آلاتهم، رغم احتمالات الموت التي تعرض لها العمال وذهب بعضهم شهداء.

هل موقفهم هذا وطني أم شيء  آخر... نعم هو موقف وطني أصيل عند العمال، وموقف طبقي يعبر عن عمق مصالح العمال في استمرار معاملهم تنتج، بالرغم من الإعاقات والعراقيل الموضوعة في طريق إعادة تدوير العجلة الإنتاجية، والظروف الصعبة التي لا يقدر على تحملها سوى أناس كالطبقة العاملة السورية، التي تنظر إلى الغد القريب الذي سيحمل لها تغييراً حقيقياً في أوضاعها السياسة والاقتصادية، الذين هم جزء أساسي من عملية التغيير المنشودة.

لهذه الأوضاع التي يعيشها العمال في معاملهم، يستحقون الحياة على هذه الأرض...الحياة الكريمة التي تؤمن فيها حقوقهم كاملة غير منقوصة.