بانوراما المؤتمرات العمالية وسياسات التسويف
عاماً إثر عام تعاد السيناريوهات ذاتها بين أروقة نقابات العمال واتحاداتها المهنية، فمن مؤتمرات نقابية على مستوى اتحادات المحافظات، وصولاً إلى مؤتمرات مهنية على مستوى القطر، إلى جانب المجلس العام وانعقاده أربع مرات كل سنة.. هي لقاءات كثيرة يجمع بينها أمران أساسيان؛ انعقادها باسم العمال وخدمة مصالحهم كما يفترض، ودورانها في حلقات مفرغة دون تلبية حقيقية للمطالب العمالية.
المؤتمرات العامة
مقارنات بسيطة بين المطالب التي جاءت في المجلس العام، بدوراته الأربع الأخيرة، تسلط الضوء على أن المطالب ذاتها لم تحقق، وإنما استمرت المؤتمرات مثل طواحين الهواء تلف وتدور دون إنتاج يذكر.
التأمين الصحي مثلاً
تعديل قانون التأمين الصحي واحد من أكثر المطالب تكرراً في المؤتمرات العمالية، وقد مر ذكره في مختلف دورات المجلس العام، كما تكررت الوعود بإصلاحه من غير إنجازٍ يذكر، فالملتقى المهني للقطاع الصحي حمل مطالب تشميل المتقاعدين بالتأمين، وكذلك العاملين بموجب عقود تشغيل الشباب، إلى جانب عائلات العمال، لكن شيئاً من هذا لم يحدث.
الوجبة الداعمة
لا يمر ملتقى عمالي دون إعادة المطالبة بالوجبة الغذائية الوقائية، التي لم يعد يحصل عليها إلا نذرٌ يسير من العمال اليوم، رغم أهميتها الكبيرة في حماية العمال من أمراض المهنة.
اللباس العمالي
مع ما يحمله من قيمة حضارية ووقائية للعمال، ودوره كوسيلة هامة للحفاظ على سلامتهم، ما يزال واحداً من المطالب التي تجترها المؤتمرات بغير كلل، واليوم يحتاجه المئات من عمال النظافة والكهرباء والصناعات المعدنية والبناء والقائمة تطول.. في حين تُفصّل الوعود وتحاك على مقاس حاجات العمال دون تنفيذ أيٍ منها.
تعديل عقود العمال المياومين
ولاسيما عمال المخابز، إذ حمل المجلس العام في آخر دوراته مطلب إصلاح وضع عمال المخابز المحرومين من التعويض المعيشي، وإصدار قرار ينظم شؤونهم، ورفع الحوافز المقدمة إليهم، لكن هذه المطالب بقيت مجرد حبر على ورق.
إصلاح الأجهزة المعطلة
حين طالب أحد الحاضرين، في الملتقى المهني الأول للقطاع الصحي، بإصلاح جهاز الرنين المغناطيسي الوحيد من نوعه في محافظة درعا، منذ أجل ليس بالقصير، لم يعرف أحد على وجه التحديد ما إذا كان هذا المطلب سيلقى قبولاً، لاسيما أن رد الاتحاد العام جاء ليؤكد بأن المطالب المطروحة كلها محقة، وأن 80% منها سينفذ، لكن المعطيات على أرض الواقع تؤكد غير ذلك، فبعد أكثر من ستة أشهر تكرر المطلب ذاته في المجلس العام لاتحاد العمال بدورته الخامسة، ومن قبل آخرين، وجاء رد الحكومة بتعذر تحقيق هذا المطلب بحجة الوضع الأمني!.
رفض مبدأ التشاركية
ما تزال الحكومة ماضيةً في التسويق للتشاركية، باعتبارها العصا السحرية التي من شأنها أن تنتشل الاقتصاد السوري من أوحال الحرب ونتائجها المدمرة، وذلك رغم محاولات العديد من ممثلي العمال وقف المساعي الهادفة إلى فرض التشاركية كخيارٍ وحيد، ومن الواضح أن القائمين على القطاع الخاص يهللون لهذا المبدأ، الذي سيقود لنتائج أقل ما يقال عنها أنها مجحفة بحق القطاع العام وعماله، فالتشاركية حال تطبيقها ستضرب بعرض الحائط حقوق آلاف العمال، ويبدو أن عمال المؤسسة العامة للاتصالات سيكونون الضحية الأولى لهذا المبدأ الظالم، حيث طالب الحاضرون في جلسات المجلس العام مراراً بإنقاذ هذه الشركة لكن بغير فائدة.
مواجهة جنون الأسعار
لم يدخر ممثلو الطبقة العاملة جهداُ في المطالبة بالحد من ارتفاع الأسعار، المتزامن مع انخفاض قيمة دخل العامل، وجرى مراراً شجب السياسات الحكومية التي قادت إلى هذه النتيجة المؤسفة، لكن الحكومة كما يبدو ماضيةٌ في سياساتها دون أدنى اكتراث، وهو ما أثبتته عشرات المطالب العمالية التي لم تلبّ رغم طرحها على مسامع الحكومة في مختلف اللقاءات العمالية، والتي أثبتت أنها ستظل بغير جدوى إذا استمرت الحكومة تتعامل مع مطالب العمال بالوتيرة والتسويف نفسه.