(الندب) في زمن الليبرالية
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

(الندب) في زمن الليبرالية

بعد تصريحات حكومية متلاحقة بمصطلحات جاهزة مثل: (22 دقيقة عمل) و (العمالة الفائضة) و(الحكومة مازالت تدفع أجور عمال وموظفين لا يعملون) .. الخ، بدأت الحكومة بعملية ندب واسعة للعمال، حيث تبين بأن تلك التصريحات كانت تمهد الطريق لممارسات كثيرة، تثير الشك والقلق، ومنها مسألة الندب.  

 

 

وفقاً للقانون، ودون تخطي حرفيته وصلاحياته، تبنت الحكومة مبدأ ندب العمال في القطاع العام من منشأة إلى أخرى، حسب تصريحاتها المعلنة، كي تستطيع تحقيق هدفين أساسيين وهما: 

أولاً- تلبية حاجة الشركات الإنتاجية والمعامل للأيدي العاملة، بعد النزيف الكبير للعمال والخبرات الفنية فيها. 

وثانياً- من أجل تشغيل العمال المتعطلين عن العمل، نتيجة خروج منشآتهم عن العمل. 

من حيث المبدأ وبشكل عام، فإن هذا التوجه يعتبر صحيحاً، إن أُخذت بعين الاعتبار الجزئيات والتفاصيل كافة، فالشيطان طالما اختبأ بين التفاصيل.

الندب الحكومي الحسابي 

إن التعاطي الجاري مع عملية الندب، إما أنه ينفذ بطريقة سطحية وساذجة، أو- لغاية في نفس يعقوب- فعملية ندب العمال من موقع عمل إلى آخر، لن تكون صحيحة إذا ما انتهج صاحب قرار الندب اعتبار العمال مجرد أرقام. على مبدأ شركة مازالت قائمة ومنتجة بحاجة لـ50 عاملاً، وشركة أخرى متوقفة لديها 50 عاملاً يتقاضون أجورهم بدون عمل، فيتم ندب هؤلاء إلى المنشأة الطالبة للعمالة، وهكذا يتحقق المطلوب من عملية الندب الحكومي، وبكل بساطة!.

بهذه العقلية يتم ندب العمال دون أن يكون مرتكزاً على أبسط مفهوم بالندب الذي راعاه القانون بنصه، من حيث طبيعة العمل وظروفه وشروطه والشروط الواجب توفرها بالعمالة فيه، وغيرها، وخيراً فعلت النقابات حين ناقشت ومانعت عمليات الندب العشوائي، وفقاً لهذا المبدأ.

يقولون عكس ما يفعلون

لا يمكن أن نتلمس خيراً من فكرة الندب المعمول بها بهذه العقلية الحسابية المجردة، لأن السياسات العامة المتبعة لا تنسجم مع الفكرة المزعومة بالحرص على إعادة الإنتاج.

السؤال هنا: هل تسريح العمال بقوة المادة 137 ينسجم مع فكرة الحرص على الإنتاج والعمال؟، وهل تمرير قانون التشاركية، الذي طبخ على عجالة، والاستمرار  بالسياسات الاقتصادية الليبرالية، التي تضعف القطاع العام وتفقر الطبقة العاملة، يصب في مصلحة الإنتاج والاقتصاد الوطني؟، وهل يمكن أن نصدق، كنقابيين وكطبقة عاملة، التصريح الحكومي بشأن الندب؟ إذا كانت كل ممارساتها وسياساتها تستهدف إضعاف القطاع العام، لصالح قوى رأس المال، وتهيئة البيئة المثالية لأولئك الفاسدين الكبار، الذين مازالوا يراكمون ثرواتهم من عرق السوريين!.

ندب أم تصفية معامل

مما سبق كله لا يعني أننا مع بقاء العمال بدون عمل منتج، وهذه مسؤولية القائمين على الإنتاج وليس العمال، بل يجب خلق الظروف كلها من أجل إعادة تشغيل  المنشآت الإنتاجية كلها بالمقام الأول، وفي حال تعذر ذلك؛ أن يتم ندب العمال بطريقة تضمن حقوقهم الكاملة، منها حقهم في التنقل من مكان العمل ذهاباً وإياباً دون تكاليف إضافية، على سبيل المثال، كما وتضمن الاستفادة من ندبهم لصالح العملية الإنتاجية نفسها، من خلال دورات تدريبية، تعيد تأهيلهم في الصناعات الجديدة المنقولين إليها، كي يكون لاستثمار قوة لعمل منفعة جدية على مستوى العملية الانتاجية.

فما معنى ندب عامل فني كهرباء، عمره 55 سنة، للعمل كعامل إنتاج (عتالة) في شركة ألبسة جاهزة، مثلاً!؟.

آخر تعديل على السبت, 05 آذار/مارس 2016 15:31