مواقف وطنية وطبقية جريئة

مواقف وطنية وطبقية جريئة

ليس غريباً على عمال ونقابيي شركات الإنشاءات العامة، ولا على عمال ونقابيي الغزل والنسيج، ذاك التمترس خلف أهمية وحدة الحركة العمالية وتنظيمها النقابي، كما ذاك الوضوح في الموقف الوطني والطبقي، خلال طرح وعرض القضايا المطلبية والخدمية والإنتاجية والتسويقية، وربطها بمجمل الواقع الاقتصادي، الاجتماعي والمعيشي، على أرضية السياسات الحكومية المتبعة، سواء تجاه القطاع العام، أو على مستوى الاقتصاد الوطني بشكل عام.

في مؤتمري نقابتي عمال قطاع البناء والأخشاب، وقطاع الغزل والنسيج، كان جلياً ذاك الإرث الوطني والطبقي، من خلال العديد من المداخلات التي تقدم بها النقابيون في كلا القطاعين، كيف لا وكلنا يعلم أن الكوادر العمالية والنقابية، والخبرات الفنية الماهرة، في هذين القطاعين تحديداً، كانت عمود البناء والاستقرار للاقتصاد الوطني خلال عقود خلت، حيث كان للقطاع الإنشائي العام الدور الأبرز في توسيع قاعدة القطاع العام الإنتاجي والخدمي، من معامل ومنشآت إنتاج، إلى المشافي والمستوصفات والمدارس والجامعات، إلى المراكز الثقافية والمنشآت الرياضية، ناهيك عن دوره في القطاع السكني، وغيرها العديد من جبهات العمل التي تصدى لها وأثبت إمكاناته بها، مع ما رافق ذلك من تشغيل للأيدي العاملة في هذا القطاع، حتى باتت الخبرات الفنية المتراكمة لدى شريحة العاملين في هذا القطاع تتناهبها شركات القطاع الخاص، داخلاً وخارجاً، وقد أثبتت كفاءتها على أكثر من صعيد.

كما أننا لا يمكن أن ننسى، كما لا يمكن لأحد أن يتجاهل، تلك الخبرات المتراكمة في قطاع الغزل والنسيج، العام والخاص، والتي عمرها مئات السنين، لما لهذا القطاع من عمق تاريخي، يحسب عبرها من قطاعات الإرث الحضاري، الذي نعتز به وبمكانته، المحلية والعالمية، وكذلك الأمر بالنسبة للكفاءات العمالية التي تدربت وراكمت خبراتها فيه، حيث مازال القطاع الخاص، داخلاً وخارجاً، يسعى لاستقطابها، والاستفادة منها.

كما أثبت القطاع العام، عموماً، وخاصة خلال الأزمات، بأنه هو صمام الأمان والضامن الوحيد للصمود الوطني، بوجه أشكال الاستهداف وتنوعها كلها ومن خلفها، ومهما تعددت وتغيرت وسائلها وأدواتها، والتي حاولت وسعت، وما زالت، إلى النيل من سورية.

في قلب المواجهة والتحدي

ورغم ما أصاب هذين القطاعين من آثار سلبية مباشرة، عبر السياسات الحكومية المتبعة خلال عقود، طالت عبرها الإنتاج والتسويق والعمالة، وغيرها من عوامل استقرار واستمرار العمل في هذه القطاعات، وعلى الرغم من ظروف الأزمة وتداعياتها بالمرحلة الراهنة، إلا أن العاملين في هذه القطاعات، كما غيرهم من العاملين في القطاعات العامة الأخرى، أثبتوا مرة أخرى عبر دورهم وعملهم خلال هذه المرحلة، ومواظبتهم على العمل والإنتاج، وطروحاتهم ومداخلاتهم التي أدلوا بها عبر ممثليهم النقابيين، بأنهم مستمرين في حمل راية النضال الوطني والطبقي، وقادرين على المواجهة والصمود في وجه السياسات الليبرالية التي طالت واقعهم الإنتاجي والمعيشي والخدمي، كما هم قادرون على مواجهة الإرهاب والفاسدين.

وقد تجلى ذلك مثلاً، عبر ارتفاع صوتهم عالياً بوجه قانون التشاركية المزمع تطبيقه، مصرين على استمرار تلك المواجهة حتى إسقاطه، ومؤكدين بأن هذا القانون ما هو إلا تسمية ناعمة للخصخصة، والتخلي عن القطاع العام، معتبرين أنه لا يمكن التسامح بذلك، كما رفعوا الصوت بمواجهة السياسات الحكومية المجحفة التي طالت حياة ومعيشة المواطنين بشكل عام، والطبقة العاملة بشكل خاص، مؤكدين من خلال ذلك بأن الطبقة العاملة عندما تطالب بحقوقها، أو عندما تقف مدافعة عن القطاع العام، فإنها تعبر بذلك ليس عن مصالحها فقط، بل عن مصالح عموم المواطنين المسحوقين، جراء السياسات الحكومية الجائرة، كما لم يبتلع بعضهم الأمر وطالب علانية بحجب الثقة عن الحكومة، التي ما زالت تتبع تلك السياسات المضرة بالاقتصاد والمصلحة الوطنية عموماً، على الرغم من أهمية تعزيز الصمود الوطني بهذه المرحلة بالذات، والذي عموده الأساس القطاع العام والعاملين فيه، بل ومحاسبتها كذلك الأمر.

ومطالب للاتحاد العام

لقد طالب العديد من النقابيين وممثلي العمال، عبر هذه المؤتمرات، من قياداتهم النقابية، ممثلة بالاتحاد العام لنقابات العمال، بأن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً وصارماً تجاه السياسات الحكومية بشكل عام، كما تجاه قانون التشاركية، وغيره من القوانين، التي أضرت وتضر بالقطاع العام، وبالاقتصاد الوطني عموماً، على أرضية الانتماء الوطني والطبقي، وإرث الحركة العمالية والنقابية في سورية، وبما يحقق تعزيز دور النقابات خلال الفترة المقبلة، في حماية حقوق الطبقة العاملة، وحماية الوطن، من الطامعين لابتلاعه اقتصادياً، من كبار تجار ومستوردين وفاسدين، محليين ودوليين.