يلزمنا عاملات فقط..!
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

يلزمنا عاملات فقط..!

تزايدت نسبة الأيدي العاملة الشابة المسافرة والمهاجرة والملتحقة بصفوف الخدمة الإلزامية العسكرية، مما دفع أرباب العمل لتعبئة الفراغ الحاصل في خطوط إنتاجهم بالعاملات حصرا، خوفاً من تسرب جديد لعمالهم الذكور ووقوعهم في مطب الشاغر من جديد.

تنتشر بكثرة ملفتة تلك الإعلانات الملصقة على جدران المدينة وعلى واجهات المحلات وفي التجمعات الصناعية التي تطلب عاملات للعمل لديها، ويتصدر قطاع النسيج بأفرعه قائمة الإعلانات، كالخياطة وصناعة الجوارب، فيما يليها طلبات تشغيل في قطاع المبيعات كالألبسة والحلويات، إضافة لطلب مضيفات للمطاعم والمقاهي بأنواعها، وكذلك المنشآت الغذائية والصناعات الخفيفة.
أسباب معهودة وأخرى جديدة
إن هذا الطلب على العاملات ليس جديداً، ولكن الجديد هي  الأسباب التي أدت لهذا الطلب المتزايد، ففي حين كانت الغاية تقتصر على رغبة رب العمل المستمرة  لتخفيض كلف الإنتاج، كون أجور العاملات أدنى من أجور العمال، إلا أن السبب في الوقت الراهن لم يعد ذلك السبب القديم نفسه، بل يضاف إليه الفقدان الكبير الحاصل للأيدي العاملة وخاصة الخبيرة والمتدربة، التي لم تبذل أي جهد كبير لتجد عملا حيث سافرت أو هاجرت، وتلك الأخرى الملتحقة بالخدمة الإلزامية، مما جعل أرباب العمل يفضلون ملء الشواغر الحاصلة بالعاملات وأن يدفعوا بهن لاختصاصات جديدة كانت حكراً على العمال الرجال لفترات طويلة مضت.
عاملات يملأن الشواغر
إن عملية دخول النساء لاختصاصات مهنية جديدة تبعا للضرورة الحاصلة، ستنعكس بشكل إيجابي على رب العمل والعمل، فالإنتاج سيستمر وأرباحه كذلك، فيما سيكون لها انعكاسات سلبية وأخرى ايجابية على العاملة نفسها فاضطرار رب العمل لتعليم وتدريب وتأهيل العاملة التي ستملأ شاغر العامل المتسرب، ستدفعها خطوة للأمام وستغادر العاملة أقسام التعبئة والتغليف والأمبلاج والتصنيف، وستدخل لأقسام أكثر أهمية وتعقيداً، وستعمل وراء آلات الإنتاج الصناعي المتطورة ميكانيكياً وبرمجياً أيضاً، وستتعلم مهنة ترفع من أجرها المعهود، وسيبدأ أجرها بالارتفاع تدريجيا كلما ازدادت خبرتها، مما سيمكنها من دخول المنافسة المهنية، وهو سينعكس على وعيها الاجتماعي، وسيزيد من قدرتها على تأمين لقمة العيش لنفسها ولعائلتها، التي تحتاج حتماً لأية ليرة إضافية يمكن تحصيلها في ظل هذه الظروف الكارثية الجارية.
سلبيات بالجملة
أمام كثرة الإيجابيات التي ستتحقق، تبرز الكثير من السلبيات أيضاً، فالعبء الإضافي التي ستضطر العاملة لتحمله كبير ومتنوع، أولها المجهود البدني الكبير الذي يترافق مع أي اختصاص كان حكراً على الرجل، وكذلك زيادة ساعات العمل، فلم تعد الـ9ساعات السابقة تتناسب مع اختصاصات العمل الجديد، والذي غالباً ما تكون 12 ساعة عمل يومياً،يضاف إلى ذلك المجهود الفكري الأعلى كونها انتقلت لعمل أكثر تطوراً،وخروجها من النمطية والعمل الجاف الروتيني، إلا أن أكثر الأمور سلبيةً ستكون انعكاسات هذه الخطوة على أسرة العاملة، وخاصة في حال كانت أماً، فهي ستضطر للغياب عن بيتها طوال النهار، لترجع إلى أولادها وقد هدها التعب الجسدي والفكري، لتجد أعمال المنزل بانتظارها، إضافة لمهامها في متابعة دراسة أولادها وشؤونهم الخاصة كافة التي لا بد منها.
من يمنع ابتزاز العاملات ويحميهن     
  لا يستطيع أحد إنكار أهمية دخول المرأة لميادين عمل جديدة مهما تعقدت نوعيته وتفاصيله، وليست المرأة العاملة السورية أقل صلابة واستعداداً لذلك من النساء العاملات على مستوى العالم، ومن الطبيعي أن تتكيف المرأة العاملة مع الظروف التي تمر بها البلاد منذ بدء الأزمة، واستمرارها، ولكن لا بد من إجراءات قانونية وحقوقية ونقابية تحمي المرأة العاملة من أنواع الاستغلال جميعا، فهي بحاجة للكثير من القوانين الإضافية  الكفيلة بذلك وخاصة في القطاع الخاص، منها على سبيل المثال تأمين رياض أطفال تعتني بأطفالها في غيابها، سواء كانت الروضة ضمن مكان عملها أو خارجه، وبشكل مجاني أو رسم رمزي، ولابد من افتتاح دورات إعداد مهني من قبل الحكومة والنقابات لإعدادهن وتأهيلهن، والأهم من ذلك كله القيام بالإجراءات القانونية والحقوقية و النقابية كافة الكفيلة  بمنع ابتزاز العاملات من قبل أرباب أعمالهن بالأشكال كلها وما أكثرها.
حكومة اللا دعم وسياسة التطفيش
كان بالإمكان تدارك الكثير من التحولات الكبيرة التي طرأت على عملية الإنتاج وعلى الطبقة العاملة  والتعامل معها، لو أن الحكومة استطاعت أن ترتقي لمستوى المسؤولية الضرورية في ظل هكذا أزمة وطنية، وتبنت سياسات اقتصادية واضحة توافق حجم التداعيات الكبرى على الاقتصاد الوطني، وتحمي أصحاب الأجور وفي مقدمتهم الطبقة العاملة، التي جهدت الحكومة من خلال استمرارها بالسياسات الاقتصادية الليبرالية، وبحجة الأزمة نفسها على تطفيش أعداد كبيرة من خبراتها وشبابها، فابتكرت شعاراتها البراقة كي تغطي تراجعها عن دعم المواد الأساسية، مثل: (شعار عقلنة الدعم) و(نزولا عند رغبة المواطنين) ومشاركتها في حملة (عيشها غير) لتأخذ ما تبقى من ليرات من جيب العامل، لتدعم به تجار البلد الأشاوس، الذي أبوا أن يخرجوا من البلاد وهي في محنة، بل فضلوا البقاء ليجنوا أرباحاً لم يحلموا بها من قبل أبداً.