عمال القطاع الخاص أبرز الغائبين!
يعد الاجتماع الدوري للمجلس العام لاتحاد نقابات العمال محطة دورية أساسية للحركة النقابية في متابعة برامجها وخططها على مستوى الطبقة العاملة بكاملها. ولكن من المستغرب في مثل هذه الاجتماعات غياب مناقشة أوضاع عمال القطاع الخاص بشقيه المنظم وغير المنظم!
عمال خارج البرنامج
عقد المجلس العام اجتماعه الدوري يومي الأحد والاثنين الماضيين، حيث قدم المكتب التنفيذي في يومه الأول تقريره عن الفترة الممتدة بين اجتماعين أسوة باتحادات المحافظات، فيما حضرت الحكومة اجتماع اليوم الثاني ممثلة برئيس مجلس الوزراء، ووزراء المالية، والصناعة، والكهرباء، ووزير العمل.
وكما جرت العادة فإن الجلستين ازدحمتا بالمداخلات، والتساؤلات، والنقاشات، لكن ما كان غائباً كالعادة، هي قضايا شريحة عمال القطاع الخاص بشقيه المنظم وغير المنظم، وكأن هذه الشريحة الأوسع قد وقعت عمداً أو سهواً بين سندان استغلال أرباب العمل لها، وبين مطرقة التنظيم النقابي الذي أهملها وقصر في متابعة أوضاع عمالها الكارثية.
كان حرياً بالمجلس أن يضع جميع القضايا التي تخص الطبقة العاملة، ومنها القطاع الخاص على جدول أعماله، لا أن يكتفي بمداخلة صغيرة هنا أو هناك عن شأن ما يخص عمال ذلك القطاع. فلولا مداخلة صغيرة من أحد الأعضاء -(تحدثت عن عدم تشميل القطاع الخاص بزيادة الأجور)- لقلنا بأن هذا الاجتماع يخص عمال القطاع العام وحده، وبأن عمال القطاع الخاص، إما أنهم تبخروا من التنظيم النقابي، أو أنهم يعيشون رغد الحياة وبحبوحة المعيشة، ولا داعي لتضمينهم في اجتماع مهم كهذا.
حكومة رومانسية وعمال يحتضرون
طُرحت في اليوم الأول الكثير من القضايا التي تخص عملية الإنتاج وقضايا عمالية أساسية، وأخرى تنظيمية، ولكن غياب التمثيل الوازن والفاعل والحقيقي لعمال القطاع الخاص، أبعد قضاياهم عن محاور النقاش الهام، فرغم مشاركة عمال ذلك القطاع لأقرانهم في القطاع العام بأغلب الظروف الاقتصادية والمعيشية، إلا أن ذلك لا يبرر عدم تناول خصوصية قضاياهم فهؤلاء العمال لديهم مشاكلهم الخاصة وظروفهم الاستثنائية، وعلى الصعد القانونية والتنظيمية والاقتصادية والإنتاجية كافة.
ولتوضيح أهمية بعض القضايا الغائبة يكفي أن نذكر أن الحديث بالقضايا التنظيمية لم يطرح موضوعة نسبة تمثيل عمال القطاع الخاص بالجسد التنظيمي، ووجوب دراسته والعمل على إصلاحه. وكذلك لم تناقش مشكلة النزيف المستمر لعمال القطاع الخاص عن التنظيم بسبب انسحابهم بعد القرارات الأخيرة برفع الاشتراكات وإجبارية المشاركة بصندوق التكافل الاجتماعي. وغاب عن الحديث مشكلة إحجام العمال عن الانتساب للنقابات بشكل واسع، فكم منتج يملأ إعلانات الطرق وواجهات المحلات ولا نجد عاملاً واحداً من منشأة المنتج منتسباً للنقابات؟!
يضاف إلى ذلك مشاكل متعلقة بالمنشأت الكبيرة والمتوسطة، حيث لا يوجد للعمال الذين يعملون هناك بظروف قاهرة، لجان نقابية أو تمثيل أو رعاية. زد على ذلك أن عمال القطاع غير المنظم في الورشات والمشاغل والمحلات التجارية لا يعلمون بدور النقابات أو حتى وجودها وضرورة انتسابهم لها، ناهيك عن الكثير من القضايا التنظيمية الأخرى.
أسئلة غائبة أمام الحكومة
غابت قضايا عمال القطاع الخاص عن اجتماع اليوم الثاني أمام الحكومة أيضاً، وهي نتيجة طبيعية لغياب ممثليها، وغابت مساءلتهم وأسئلتهم الهامة والمستعجلة للحكومة، والتي قد يكون أبرزها أين أصبحت دراسة القانون رقم (17) وتعديلاته الموعودين فيها؟!
وماذا عن مصير عمال المنشآت الموافق على إغلاقها كلياً أو جزئياً؟ وأين أصبحت دعاوى العمال المكدسة على أرباب أعمالهم أمام المحاكم المختصة، ومتى سيبت بها؟ وأين الزيادات على الأجور والتعويضات والحوافز؟، وماهي إجراءات الحكومة في مواجهة نزيف الخبرات الفنية والمهنية المسافرة أو المهاجرة أو المتعطلة من القطاع الخاص؟
سؤال الحكومة عن خطتها الاقتصادية التي ستتبعها من أجل دعم القطاع الخاص الصناعي، وإجراءاتها لمنع استغلال العمال، هما أيضاً من الأسئلة الغائبة، مثلها مثل الكثير من الأسئلة الأخرى التي كان لا بد من طرحها أمام الحكومة.
أما أهم ما كان يشغل الحكومة فهو سعيها لإقناع النقابات بـ(مزايا قانون التشاركية مع القطاع الخاص)، وإسهابها بالحديث عن (أزمة العمالة الفائضة)، وتلميع سياساتها بالحديث عن (صوابية السياسات الاقتصادية والمالية والخدمية)، والعزف على إسطوانة الأزمة والمؤامرة التي انشرخت وما زالت تغني ولا تطرب!!.