من عاملات لنادلات..؟
للعاملات السوريات معاناتهن الخاصة، التي تضاف لمعاناة سائر الطبقة العاملة في القطاع الخاص غير المنظم، حيث تستغل قوة عملهن من قبل أرباب العمل بحرفية عالية، فالعاملة بالنسبة لهم - نصف رجل - وبالتالي لا تستحق سوى نصف أجر.
ساوت قوانين العمل المنصوص عليها، سواء القانون 50 المتضمن نظام العاملين الأساسي في الدولة، أو القانون رقم 17 المعني بالقطاع الخاص بين العمال بغض النظر عن جنسهم، بل إن هذه القوانين أعطت للمرأة العاملة في القطاع المنظم(العام منه والخاص) حقوقا إضافية مستمدة من الطبيعة الفيزيولوجية للمرأة، فهي تحصل على حقها بإجازات خاصة بالحمل والولادة كما أن القانون يحميها من محاولة استغلالها بأعمال بدنية شاقة حرصاً على سلامتها، فعلى سبيل المثال يحدد القانون بإحدى فقراته - سقف الوزن الذي يسمح للمرأة العاملة بحمله من البضائع ب 8 كغ- ورغم ما تحمله هذه القوانين من عيوب ونواقص لا تصب في مصلحة العمال، إلا أنها تبقى قادرة على ضبط العلاقة بين رب العمل من جهة، والعمال من جهة اخرى، فشراكة الطرفين في عملية الإنتاج لا تعني أنهما أصبحا طرفاً واحداً فهذان الطرفان بينهما صراع مصالح لا ينتهي إلا بانتهاء أسبابه، من هنا تبرز أهمية القوانين في حماية الطبقة العاملة ومكتسباتها وحقوقها ومن ضمنها المرأة العاملة السورية.
استغلال من نوع خاص
تتوافد يومياً لسوق العمل -غير المنظم- أعداد كبيرة من النساء الراغبات في العمل، كون الظروف الكارثية التي ما زالت تتضخم بفعل استمرار الأزمة وعدم جدية حلولها السياسية حتى الآن، تدفع بآلاف النساء لطلب العمل الكريم، فمنهن من فقدن معيلهن وأصبحن مسؤولات عن معيشة عائلاتهن، والأحسن حالا منهن من شمرن عن سواعدهن ليساهمن مع رجالهن في صمود الأسرة المعيشي، فأجر واحد للأسرة ليس بمقدوره تغطية أجرة غرفة وصالون في عشوائيات المدن، بالتوازي مع التراجع الحاد لعملية الإنتاج وتوقف أغلب المنشآت عن الإنتاج، مما أدى بالنتيجة موضوعيا لرفع معدل الطلب على العمل لحدود قياسية، وساعد أرباب العمل على اقتناص هذه الفرصة وفرض شروطهم وقوانينهم الخاصة على شرائح العمال كافة وخاصة المرأة العاملة، فساعات العمل الطويلة المجهدة، والأجور الشحيحة، هي العرض الوحيد المقدم لهن من قبل أرباب العمل، الذين سيحصلون على أرخص يد عاملة ممكنة تخفض كلفة إنتاجهم وتضاعف أرباحهم، فمتوسط أجر الساعة للمرأة العاملة في القطاع غير المنظم لا تتجاوز السبعين ليرة سورية عن كل ساعة عمل، ناهيك عن مشقة الطرقات وتكلفة التنقل بين مكان الإقامة ومكان العمل، التي لا ترحم أحدا، وفي ظل هكذا معدل طلب مرتفع على العمل دخلت المرأة العاملة لمجالات وقطاعات إنتاجية وخدمية جديدة.
عاملات في مهن جديدة
تعمل النساء العاملات في أغلب القطاعات على رأسها القطاع الزراعي، مروراً بالقطاع الصناعي، حيث يشتغلن في أغلب الصناعات وأولها الصناعات النسيجية والغذائية والدوائية، وفي قطاع الصحة والتجميل، وحتى في الصناعات الأخرى ويبقى الاعتماد عليهن في عمليات التغليف والتجهيز لأغلب الصناعات، كما انهن يشغلن حيزاً كبيراً في ساحة العمل التجاري والمصرفي وقطاع الاتصالات، ولكن التغيرات الكبرى التي طرأت على الواقع الاجتماعي بفعل الأزمة خلقت ضرورات جديدة، فشواغر العمل في القطاع العام معدومة، وإمكانية العمل في القطاع الخاص المنظم نادرة، والنسبة الكبيرة لنزيف الشباب العامل بين التطويع والهجرة جعل المرأة العاملة تدخل مجلات جديدة في العمل، فالمئات منهن مثلاً يشتغلن في معامل صناعة (الأراجيل) في قسم التلحيم - كون هذه الصناعة ما زالت تصدر منتجاتها -وقد كانت حكراً على الرجال والفتية، وكذلك المحال التجارية التي تبيع الألبسة والأحذية، فقد أصبح الاعتماد الأساسي فيها على العاملات كون أجورهن أدنى من العمال ويرضين بالقليل، ويبدو من اليسير التقاط ظاهرة دخول المرأة العاملة لقطاع الخدمات وخاصة بالعمل ضمن المطاعم والمقاهي والكافيات كنادلات ومضيفات، والتي بدأت بالانتشار بشكل واضح وكبير فعشرات الإعلانات الملصقة هنا وهناك تطلب مضيفات ونادلات برواتب زهيدة وبقشيش كبير.
إن إصرار الحكومة على سياساتها الاقتصادية الليبرالية المدمرة للقوى العاملة - رغم وضوح نتائجها الكارثية كلها على الصعيد الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي- جعل من الطبقة العاملة بشكل عام، والمرأة العاملة بالقطاع غير المنظم بشكل خاص يشتغلن في ظروف قاهرة، ويعرضهن لأنواع الاستغلال كافة الذي يسيء لكفاحهن من أجل حياة كريمة، ويجعلهن بين سندان حيتان السوق الحر وأدواتهم الربحية الطفيلية الفاسدة، ومطرقة الظروف الكارثية المعيشية. فالمرأة العاملة تضحي وتربي وتشتغل، والحرامية يصولون ويجولون وينهبون دون رادع أو محاسب فأي معنى لوجود اجتماعي لا يقدس من تربي أطفالها وتدافع عن وطنها بعملها وكدها.