عمال القطاع غير المنظم
«أجر أعلى أم استغلال أشد» / يعتبره الكثيرون العامل الأوفر حظاً، والأقل مظلومية والأكثر استقلالية من بين شرائح العمال إنه عامل القطاع الخاص غير المنظم, أو كما يسمى «العامل الحر» فهو صاحب الأجر الغير محدود، وهو العامل المستقل والمتحرر من قوانين العمل جميعها، فإن كان هذا ظاهر الأمر فإن مضمونه يناقضه تماماً.
يسمى العاملون في القطاع العام وسائر الموظفين من ذوي الدخل المحدود، وينضم لهم في هذه التسمية عمال القطاع الخاص المنظم العاملون بأجر، وتحكم العلاقة بين العمال وأرباب العمل القوانين والأنظمة.
قوانين عمال القطاع العام
لديهم قانونهم الخاص بهم وهو قانون العاملين بالدولة والتعليمات التنفيذية له، ولا يترك القانون تفصيلاً بسيطاً إلا ويأخذه بعين الاعتبار، ويخصص له مادة قانونية وإجراء تنفيذي، فالحكومة هنا هي رب العمل بالنسبة للعامل، وبالتالي يلتزم القانون بتحديد ساعات العمل والعطل الرسمية والأجور والزيادات والمنح التي تقرها الحكومة إضافة لإلزامية التسجيل بالتأمينات الاجتماعية والنقابات، فكل شيء واضح ومشمول رغم وجود الكثير من العيوب في هذا القانون التي لا تصب في مصلحة العامل.
قوانين عمال القطاع الخاص
عمال القطاع الخاص المنظم لهم قانونهم أيضاً وهو القانون رقم «17» السيء الصيت والموضوع لخدمة أرباب العمل أصحاب الرأسمال الصناعي والتجاري، والذي تم إقراره خدمة وتمهيداً لمرحلة العمل بالسياسات الليبرالية الاقتصادية، التي حولت عرق العمال وكدحهم لثروات يستولي عليها أرباب العمل، دون أدنى إحساس بالمسؤولية من قبل عرابيها ومن ورائهم لانعكاساتها الكارثية اتجاه الاقتصاد الوطني، وشرائح العمال وأصحاب الأجور، ورغم ما في هذا القانون من إجحاف وظلم بحق العمال يبقى قانوناً ينظم العلاقة بين العمال وأرباب العمل، ويضمن بعض الحقوق للعمال من خلال تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية وانتسابهم للنقابات، ويحدد ساعات العمل والأجور والعطل والزيادات وإصابات العمل وأغلب تلك التفاصيل، ولكن ماذا بالنسبة لشريحة العمال غير المنظمين «الأحرار» وهي الشريحة الأكبر؟.
لماذا يتقاضون أجوراً أعلى من أجور باقي الشرائح؟ ولأي قانون يخضعون؟ وهل هم مستقلون وأحرار حقا؟
فوارق الأجور
يقدر متوسط الأجور بالقطاع العام والخاص المنظم 20 ألف ليرة سورية مقابل ثمان ساعات عمل يومية على مدار خمسة أيام أسبوعياً بالمحصلة 40 ساعة عمل أسبوعياً 120 شهرياً 1440 سنوياً يحسم منها 168 ساعة عمل هي مجموع العطل الرسمية مدفوعة الأجر طبعا، إذاً هذه الشريحة تعمل سنوياً 1272 ساعة وتُؤجر عليها 240 ألف ليرة سورية، في حين تشير التقديرات وفق معظم الدراسات بأن متوسط دخل الأجر في القطاع العمالي غير المنظم 30 ألف ليرة أي بزيادة 50% لكن متوسط ساعات العمل اليومي 11 ساعة عمل على مدار ستة أيام أسبوعياً 330 شهرياً 3960 سنوياً لا يحسم شيء كونه لا يوجد أي عطلة مدفوعة الأجر من هنا نستنتج ما يلي: إن أجر ساعة عمل في القطاع المنظم العام والخاص هي 167 ليرة سورية في حين أن أجر ساعة عمل في القطاع غير المنظم «الحر» هي 91 ليرة سورية هذا بالنسبة للأجور التي يظن الكثيرون بأنهم يتقاضون أكثر فماذا عن الاستقلالية وحرية العمل والقانون الناظم؟.
قوانين السوق المتوحش
إن كان ما يحكم علاقة العمال المنظمين بأرباب أعمالهم هي قوانين حكومية فإن قانون السوق المتوحش هو ما يحكم هذه العلاقة بــ «القطاع الحر» فهم يقبعون تحت رحمة العرض والطلب للأيدي العاملة، وهو قانون مفروض من طرف واحد، هم أرباب العمل فلا إمكانية لأي تحكم نسبي للعمال بهذا القانون، ولا أدوات لديهم لمصارعته، ومقاومته بشكل جماعي، مما يخلق الأسباب لخلق صراع آخر بين العمال أنفسهم على فرص العمل والتنافس الشديد على زيادة أجر هنا أو استغلال أقل هناك، ناهيك عن البطالة الموسمية التي لا مهرب منها أبداً كون حركة السوق هي المتحكمة بهم وبأرزاقهم.
إن الكلام عن استقلالية هذه الشريحة ليست سوى نكتة سخيفة، فهم لا يملكون من أمرهم شيئاً، فأجر العامل هو كل ما يملك فكيف إن كان هذا الأجر الممسوخ أساساً غير ثابت، ولا يوجد ضمانة لبقائه سارياً فكم من عمالنا «الأحرار» سمعوا من رب عملهم الجملة الشهيرة «بكرة لا تجي ما في شغل زيادة» وكم نسمع الأصدقاء فيما بينهم يسألون بعضهم الآخر «انشالله لقيت شغل» كل ذلك يجعل من هذه الشريحة هي الأشد مظلومية من بين شرائح العمال، والأقل أجراً فلا تأمين اجتماعي ولا معاش تقاعدي ولا تعويض بطالة ولا مساكن عمالية أو ضمانة صحية والقائمة تطول وتطول.
لا حاجة للفقراء
إن هذه الشريحة العمالية الكبيرة لا تجد من يبالي لأمرها من أصحاب المعالي في الحكومة التي لا تتوانى بتقديم كل ما من شأنه الإطاحة بحقوق هؤلاء العمال وسائر أصحاب الأجور، بتبنيها المستمر لسياسات اقتصادية مبنية على مقولة دع الأغنياء يغتنون فلا حاجة لنا بالفقراء.