عمال الورشات يمولون المولدات
تزايدت ساعات التقنين على التيار الكهربائي في دمشق وضواحيها لتصل لساعات طويلة ومتواصلة.
مما أثر سلباً على مئات الورش والمشاغل المنتشرة فيها فارتفعت تكاليف الإنتاج على أصحاب الورش والمشاغل كونهم يعتمدون على تشغيل «المولدات» العاملة على الوقود، فما كان منهم إلا أن ألقوا بمشكلتهم هذه على عمالهم ليعوضوا خسارتهم من جيوب عمال لا يملكون سوى أجرهم الشحيح.
تنتشر المعامل الصغيرة والورشات والمشاغل «غير المنظمة» على مساحات كبيرة من دمشق وضواحيها، والتي تضم عشرات الآلاف من العمال الذين لم تنصفهم السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، ليعملوا ضمن القطاع العام ولا رحمتهم أيضاً سياسة «السوق الحر» بتواجدهم ضمن القطاع الخاص المنظم في المنشآت المتوسطة والكبيرة، فعمال القطاع الخاص غير المنظم محرومون من أدنى الحقوق والمكتسبات التي ينالها أقرانهم في القطاع العام والخاص المنظم، مما جعلهم يقاتلون فرادا ضد استغلال وتحكم أرباب العمل وقوانين سوق العمالة ولا شك بأن أصحاب العمل «الصناعيون الصغار» هم أيضاً مظلومون من قبل «حيتان السوق» الذين يكنزون رؤوس أموال صناعية وتجارية، فتجعلهم يتحكمون بالقطاعيين معاً، ويبلعون الأرباح الكبيرة تاركين للصناعيين الصغار فتات الأرزاق وهم بدورهم يجدوا الحل الأسهل وهو أجر عاملهم المسحوق.
تحت رحمة المقنن.!
منذ أن زادت ساعات التقنين على التيار الكهربائي اعتمد أصحاب الورش والمشاغل على تشغيل المولدات التي تعمل على الوقود بشكل عام وعلى البنزين بشكل خاص، كونها المادة الأكثر توفراً والأرخص ثمناً، وحجم توليدها يتناسب مع حاجة أرباب العمل لتشغيل ورشاتهم الصغيرة، أما من لم يقتن المولدات فقد أصبحت ورشته خارج الخدمة لساعات طويلة وكذلك عماله، فوقعوا تحت رحمة المقنن، مما جعلهم يعملون ويرتاحون وفق التيار الكهربائي ونظامه، أما من جهز ورشته بالمولدة فله معاناته الخاصة، فتأمين البنزين ليس بالأمر السهل والطابور على الكازيات طويل و«البيدونات» ممنوعة عند غالبية الكازيات، والكمية محدودة، مما جعل رب العمل يرسل أحد عماله الصغار «الحويص» ليقضي نصف نهاره متنقلا بين الكازيات جاراً أمامه عربة البضائع محملة بــ «بيدونات» وأيضاً تحتاج المولدة لزيت محركات من نوع خاص وسعر مرتفع، وأغلب المولدات تحتاج للراحة كل ثلاث ساعات عمل كون حرارتها ترتفع، ناهيك عن الأعطال الكثيرة التي تتعرض لها كون أغلبها متدنية الجودة. كل هذه الإشكاليات يتحملها بظاهر الأمر رب العمل ولكن إذا ما نظرنا لكيفية إبداع الحلول عند صاحب الورشة هذه أو تلك سنجد صاحب المعاناة الحقيقي من التقنين و المولدات هو العامل.!
مطرقة أجور الأزمة
يبتكر أصحاب العمل الكثير من الحلول كي لا يتحملوا الزيادة على تكاليف الإنتاج جراء التقنين الكهربائي، وأول الحلول تغيير حساب أجر العامل من الأسبوعية أو اليومية، إلى نظام الساعات مع حساب أجر ساعات التشغيل على المولدة أقل من ساعات التيار النظامي، وكذلك يلجؤون لتحويل عمال الأسبوعية واليومية لعامل يؤجر على القطعة المنتجة، وأيضاً أجر «قطعة المولدة» كما تسمى بالورشات مختلفة عن أجر القطعة العادية لنجد آخر الأسبوع بأن س من العمال قد أنتج 20 قطعة عادي و30 مولدة .
يجتهد أصحاب العمل بإيجاد حلولهم الخاصة للتهرب من الزيادة على تكلفة إنتاجهم، فمنهم من يخفض الأجور بشكل مباشر، ومنهم من يشتري المولدة ويتفق مع عماله على أن مصروفها هم من يتحملوه و يقتسموه فيما بينهم، ولكن تبقى كل هذه الحلول مصدرها أجر العامل الذي يحمد الله ليلا ونهاراً على نعمة الشغل، راضخاً لكل أنواع الاستغلال المفضوح حرصاً منه على عمله، وعلى مسؤوليته اتجاه تأمين مستلزمات عيش أسرته، خاصة وهو يشاهد بأم عينه مئات العاطلين عن العمل وعشرات الغارقين في زوارق الموت المتجهة إلى أوروبا.